ما الذي كان سيصنعه طاغور في جائحة الفيروس التاجي؟

منصة 2021/05/26
...

  سوماك غوشال
  ترجمة: جمال جمعة
ولد روبندرونات طاغور في 7 أيار/ مايو 1861 في عالم لم يكن لديه سوى فهم ضبابيّ للتلقيح. في زمانه قضى مرض الجدري على الملايين، ولكن تم القضاء عليه الآن بفضل التطعيم. ومع ذلك، تواجهنا دائماً تحديات جديدة حتى في القرن الحادي والعشرين، كما يظهر تفشي الفيروس التاجي.
ما الذي كان سيصنعه طاغور في هذه اللحظة؟ كرجلٍ من عصر النهضة، استثمر بعمق في العلم والمعرفة، سيكون منبهراً بالتقدم الذي أحرزه الطب. في حياته، كانت الاحتمالات مكدسة ضد البشر. في العام 1902، عندما أصيبت زوجة الشاعر مريناليني ديفي بمرضٍ غامضٍ، على سبيل المثال، أخفق الأطباء في تشخيص علّتها. ثم توفيت في وقتٍ لاحقٍ من ذلك العام، وهي بالكاد في الثلاثين من عمرها، مخلفة وراءها زوجها وأطفالها الخمسة.
 
أكثر القتلة شراسة
في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر، عندما كان الشاعر مراهقاً، كانت الكوليرا والطاعون، إلى جانب الجدري الصغير، أكثر القتلة شراسة. في ثمانينيات القرن التاسع عشر، طوّر لويس باستور لقاحات ضد كوليرا الدجاج وكذلك الجدري الصغير، لكنَّ عقوداً مضت قبل أنْ يمكن السيطرة على أمراض مثل الحصبة، والنُّكاف، وشَلل الأطفال، والدِّفتيريا، من خلال التطعيم الجماعي الناجح.
ومع ذلك، كان معدل التطعيم بعيداً عن الانتشار أو الإنصاف. في الهند غير المقسّمة، على سبيل المثال، التي تحكمها الحكومة الاستعمارية، كان نظام الرعاية الصحية منحازاً لصالح الأغنياء، مثل عائلة طاغور والطبقات العليا والبريطانيين. أما الفقراء، في كلٍ من المناطق الحضرية والريفية، فقد واجهوا سخط الأوبئة مثل الطاعون الدبلي في 1896 - 98.
كان طاغور مدركاً تماماً لهذا الإجحاف. في روايته شطورانجا «الشطرنج» التي صدرت عام 1916، ثمة رجل ثري يقوم بتحويل منزله إلى مستوصفٍ للمُعوزِين مع انتشار الطاعون، وفي النهاية يستسلم للمرض الذي يصاب به أثناء رعاية المرضى.
 
تحت ظلال الموت
بعد أكثر من 70 عاماً من الاستقلال وما يشبه دولة الرفاهية، لم يتحسن الوضع في الهند كما ينبغي. مثل جائحة الفيروس التاجي، عندما اندلعت الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، مات الكثيرون في البلاد. الكاتب الهندي سوريكانت تريباثي «نيرالا» فقد نصف عائلته. مهاتما غاندي أصيب بالمرض لكنه تعافى. كان معدل الوفيات مرتفعاً لدرجة أنَّ الأمة واجهت نقصاً في جذوع الأشجار لحرق الموتى. في توازٍ غريبٍ، يترك فيروس كورونا المستجد أيضا المشارح مغمورة بالميتين.
كان طاغور مدركاً تماماً للموت منذ سنّ مبكرة، بعد أنْ فقد والدته عندما كان صغيراً، وبعد فترة وجيزة، فقد عديلته الأثيرة كادامباري ديفي. علاوة على ذلك، تكررت الأوبئة مثل الكوليرا والجدري في عصره. في إحدى أفضل قصائده المحببة، بوراتان بريتيا «خادم قديم»، يلعب الجدري دوراً حاسماً كمساوٍ بين الطبقات، وكاشفاً عن الظلم البنيوي الذي تقبّله المجتمع الذي يعيش فيه طاغور.
تروي هذه القصيدة السردية الطويلة، التي تم تأليفها في العام 1895، قصة «قشطة»، الخادم الشخصي القديم ولكن الموثوق به من قبل الراوي، وهو رجلٌ ثريٌّ من الطبقة العليا. على إيقاع الخبب ونغمة حلوة مُرّة، تروي قصة ولاء «قشطة» الصدوق لرب عمله، على الرغم من أنه كثيراً ما يتم توبيخه (وضربه أحياناً) بسبب النسيان، والحمق، والتراخي.
على الرغم من أنَّ العنف العَرَضي تجاه طاقم الخدمة كان شائعاً في زمنه، إلا أنَّ طاغور كتب عن بِطانة الخدم الذين اعتنوا به، وهو طفل وحيد، بحنان وحب. في «شليبيلا»، مذكرات أيام صباه، يتذكر باعتزاز العديد من هؤلاء الرجال والنساء، الذين اعتنوا به، ومنحوه الصحبة، وخدموه بتفانٍ لا يتزعزع.
 
ثمن الولاء
في «بوراتان بريتيا»، تغضب سيدة المنزل من «قشطة». فيقوم السيد بطرده في نوبة من نوبات الغضب، لكنه يجد الخادم المخلص يعود ويقف إلى جانبه في صباح اليوم التالي، ويقدم له التبغ.
عندما يشرع الراوي في رحلة حج إلى مدينة فريندابان، يتفوق «قشطة» على «نيباران»، الذي كان من المفترض أنْ يذهب مع سيده في الأصل، ويلتحق به بدلاً منه. غاضباً لكنه مبتهجٌ أيضا يتحمل الراوي «قشطة»، لأنه كما يبدو لا يستطيع التخلص منه. وفي تحولٍ صادمٍ للأحداث، يثبت «قشطة» أنه كان مباركاً.
يُبتلى الراوي بالجدري القاتل أثناء تواجده بعيداً، ويظل يجأر في الشقة التي كان يتقاسمها مع حجّاج آخرين. رفاقه يهجرونه على الفور، لكن ليس «قشطة»، الذي رعاه ليلاً ونهاراً لاستعادة عافيته. ما أنْ يستعيد سيده روحه، حتى يصاب «قشطة» بالمرض ويموت في النهاية بسببه.
تكمن عبقريَّة طاغور في التلاعب بصوت الراوي: متعجرف، متكبّر، متسلّط، لكنه أيضا محزون قليلا في النهاية، رغم أنه لم يأسف تماماً على سوء معاملته لقشطة. ديناميكيَّة علاقتهما تحمل مرآة لوقائع أوقاتنا المتقلبة، حيث كشف مرض معدٍ آخر عن الشروخ التي في مجتمعنا.
سواء كان ذلك عن محنة المهاجرين الذين يبنون مدنناً، أو عمال الخدمة المنزلية الذين يجعلون حياتنا مريحة، أو الأشخاص الآخرين العديدين الذين يحافظون على بقاء الآلية الاجتماعية تعمل بانتظام، فإنَّ أوجه التشابه تستمر في حيوية موجعة للقلب.
 
Live Mint