قلعة باشطابيا الأثريَّة تستعيد عافيتها وتدخل مرحلة الإعمار

ريبورتاج 2021/06/16
...

  شروق ماهر 
 
تقع قلعة باشطابيا والتي ترجع تسميتها الى اللغة التركية، اذ تتكون من كلمتين وتعني القلعة الرئيسة على اعلى نقطة في مدينة الموصل، فهي تقع على ارتفاع150 قدماً عن نهر دجلة، وتاريخ انشاء هذه القلعة يعود للعهد الاموي عام 26 بعد المئة، وبقيت شاخصة حتى عام 450 هجرية حين تعرضت للهدم على يد احد الامراء الاتراك، واعيد اعمارها بعد 25 عاماً في عهد الدولة الاتبيكية وكانت من الحصون الشرقية لهذه الدولة.
 
أهم دفاع
وتعد باشطابيا من اهم المعالم الاثرية التي بقيت شاخصة في مدينة الموصل، اذ كانت تزدحم بالسياح حتى عام 2003، لتبقى بعد ذلك شاهدة على ما عاشته المدينة في تلك الفترة، اذ خسرت مدينة الموصل في عام 2014 العشرات من المواقع الاثرية والتراثية، وخسرت ايضا جزءاً كبيراً من هويتها التاريخية ولم يبقى الا عدد من المعالم من بينها هذه القلعة التي تتكئ على اعلى نقطة في ضفاف دجلة بعد أن كانت اهم مركز للدفاع في هذه المدينة.
وقال مصعب محمد مدير دائرة مفتشية آثار نينوى في تصريح لـ «الصباح»: «إن أعمال إعادة ترميم وتأهيل المواقع الأثرية بدأت في عموم المواقع الاثرية والتراثية المدمرة، وابرزها قلعة باشطابيا
 التاريخية».
 
أبرز موقع سياحي
واضاف محمد ان «أعمال التأهيل كانت قد بدأت اغلبها بعد طرد عصابات داعش من محافظة نينوى قبل نحو اربع سنوات».
مبيناً أن «العمل في اعمار هذه القلعة الشاهقة وابرز معالم مدينة الموصل كان هو الابرز والاول في المدينة، اذ ينفذ الآن بتوجيه وإشراف من وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار والتراث».
لافتاً الى انه «تم تشكيل لجان من المفتشية، أخذت على عاتقها توثيق وتقدير حجم الأضرار التي طالت الابنية التاريخية للموصل ومحافظة نينوى بشكل عام، اذ من المتوقع انتهاء اعمار القلعة وعودتها كابرز موقع سياحي، يتمتع السائحون بالنظر من خلال الصعود اليها بجمال معالم الموصل بالكامل». 
 
الموصل تطالب
وقال الشاب عمر الحديدي (22 عاما) «ان اغلب الشباب الموصليين يطالبون باعادة اعمار هذا الصرح الاثري الكبير والمهم في نفوس الموصليين، كموقع اثري يلجؤون اليه في اوقات العطل والفراغ للاستمتاع بمنظر مدينتهم من فوق القلعة الجميلة باشطابيا، ويستمتعون بالنظر الى جمال طبيعة دجلة القريب الذي يطل على وجه القلعة الجميلة من اجل اعادة الحياة الطبيعية كما كانت قبل تدميرها من قبل عصابات داعش الاجرامية، التي جردت المعالم الاثرية في مدينة نينوى الآشورية».
 
سقوط ونهوض
وتحاول اليوم اليونسكو بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، لملمة ما تبقى من تاريخ هذه المدينة، فضلا عن إعادة تأهيل بعض المواقع الاثرية مثل (قره سراي، والجامع النوري الكبير) في الموصل القديمة.
وبين الاستاذ التدريسي في جامعة الموصل/ قسم التاريخ جمعة فلاح السرحان أن «مدينة الموصل خسرت عشرات المواقع الاثرية المهمة خلال سيطرة داعش عليها، كموقع النمرود وقصر سنحاريب في تل قوينجة، بالإضافة إلى بوابات الموصل الأثرية، والسور الأثري مع قلعة تلعفر التي جرفت بالكامل، لكن الموصليين بعزمهم واصرارهم اعادوا اجزاء كبيرة من تلك المواقع الاثرية والتراثية حتى لا تمحى معالم هذه
المدينة». 
وافاد بأن «هناك سعياً من قبل آثار نينوى للتعاون مع المنظمات الدولية، من اجل شمول المواقع الأثرية باعادة الترميم، مثل قره سراي التي تبنت صيانتها  جامعة بنسلفانيا، والجامع النوري الكبير مع عدد من المواقع الاخرى التي تبنتها
 اليونسكو».
 
سور الموصل
وتعتبر  قلعة باشطابيا من المواقع الاثرية المهمة في الموصل, اذ تعتبر الجزء المتبقي من سور الموصل، وهي احـد المعالم الاصيلة التي تمثل شخصية المدينة، اذ كانت تـزدحم بالسياح من داخل العراق وخارجـه وخاصة الاتراك.
وتعرضت قلعة باشطابيا السياحية للقصف من قبل عصابات داعش الارهابية، ما أدى لحدوث اضـرار كبيرة فيها.
 
مزارات وقصص
وتقع العديد من الصروح قرب القلعة ومنها مزار يحيى بن القاسم، بين قره سراي وباشطابيا على ضفة نهر دجلة اليمنى في الموصل، بعتبته الفريدة في طرازها المعماري ومحرابها الذي يمثل الزخرفة الإسلامية وقد تآكله القِدَم وأصيبت العتبة الفريدة الجمال بشرخ طويل لم يستطع شاعر الموصل حبيب أفندي العبيدي أن يلحم الشرخ لا بكلماته الشعرية ولا بهجائياته للسلطة، على الرغم من أنه سكن فيه مدة ليست بالقصيرة، وقد أقام مجلسه في تلك المنطقة النائية التي طالما زارها الموصليون في الربيع، حيث العشب الأخضر وشقائق النعمان والدفلى، اذ يكون ليلاً حيث يطوف الجان حول القلعة ويتراهن رجال المدينة الأشداء على من يستطيع أن يدق سكة قرب
باشطابيا.
 
 حلويات وسباق
وتعد القلعة رمزاً لبطولة أهل الموصل واحد ابرز معالم  نينوى الجميلة وعشق الموصليين، اذ يزورها الرجال والنساء ويحيطونها في الربيع، فهي متنزه لأهل المدينة حيث يعد (البيض المسلوق، والكشكا، وكبة البرغل والدولمة والمخللات) ويتصايح الباعة (حلاوة الخضر، حلاوة الشكر، الكركري، حبة الخضراء، حب القرع، حب الشمزي، السسي، اللوزينة، شعر البنات، المعسلة، حلاوة من السما), ويتهافت الأطفال والنساء بأيديهن المخضبة بالحناء وشفاههن المدبوغة بـ(الديرم) لشراء (القضامة), ويعتلي الشباب المتباهون بجمال أجسادهم هذه القلعة الجميلة، ويقفزون إلى الماء والفتيات ينظرن ويتأملن ويحلمن، والسباق قائم على قدم وساق بين السباحين الماهرين بسبب قربها واطلالتها على نهر دجلة.