جواد عبد الكاظم محسن
المسيَّب مدينة فراتية جميلة تحتضن نهر الفرات من جانبيه، وهي مركز قضاء تتبعه ثلاث نواحٍ هي: سدة الهندية، الإسكندرية، وجرف النصر.
ويرجح أغلب المعنيين بتأريخ المدينة، أنَّ أصل تسميتها جاء نسبة إلى نهر السيب المندرس، وكان هذا النهر قد اندثر من مدة طويلة فقام محمد وعمر وعثمان من الينكجرية (الجيش الجديد الذي أسسه السلطان العثماني أورخان سنة 1329م) بإعادة حفره سنة 1652، وجمعوا الناس لزرعه وغرس بساتينه فأعطى وافراً فريداً.
ويمكن القول إنَّ المدينة ولدت مع أول خان أنشئ فيها لاستراحة الزائرين، وكان ذلك في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وقد تطلب وجود هذا الخان بعض الخدمات الضرورية لنزلائه، فتجمعت حوله بضع بيوتات أقيمت من أوبار الحيوانات أو من الحصران وسعف النخيل، وما لبثت أنْ تكاثرت بعد أنْ اتخذت ضفة النهر القريبة من الخان نقطة للعبور من قبل المسافرين والزوار بين بغداد وكربلاء، ثم تكاثرت الخانات فيها بعد واتسعت القرية الصغيرة.
وفي العهد الوالي العثماني عمر باشا (1757 - 1763) أقيم أول جسر على نهر الفرات في المسيَّب للتخفيف من عناء المسافرين بعد أنْ تضاعفت أعدادهم واشتد ازدحامهم على السفن والزوارق الصغيرة والقفف التي كانت تتولى نقلهم من جانب إلى آخر.
وازدهرت المسيَّب زراعياً في القرن التاسع عشر لخصوبة أرضها ووفرة المياه فيها، وأضحت من القرى الزراعية المهمة في عهد الوالي المملوكي داود باشا (1816 - 1831)، الذي جدد جسرها سنة 1823، وتطورت كثيراً في عهد الوالي المصلح مدحت باشا (1869 - 1872) بسبب انتعاش حركة الملاحة النهرية، ورقيت إلى ناحية، وألحقت بتشكيلات لواء كربلاء المستحدث، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى كان أهالي مدينة المسيَّب في طليعة الذين لبوا الجهاد والتحقوا بجبهة القتال، كما كان لهم دور مشهود ومذكور في الثورة العراقية الكبرى سنة 1920.
وبعد قيام الحكم الوطني سنة 1921، عادت لمدينة المسيَّب أهميتها التجارية والزراعية، فتحولت عام 1924 إلى قضاء، وألحقت بمتصرفية لواء الحلة (محافظة بابل حالياً)، وكان حسن غصيبة أول قائممقام لها، وشهدت خلال المئة سنة الأخيرة الكثير من الحوادث المهمة ذات الصلة بتاريخ العراق العام.
تنتشر مجموعة كبيرة من المواقع الأثرية في ضواحي مدينة المسيب وتوابعها، لعلَّ من أشهرها خان الإسكندرية ومنارة سدة الهندية القديمة وهناك عددٌ من المراقد من أهمها مرقد ولدي مسلم عقيل، ومن المعالم التراثيَّة الشهيرة في المدينة حالياً جسرها الحديدي الذي افتتح سنة 1938، وكان قد سبقه جسر خشبي اشتهر في التراث الشعبي بفضل أغنية (على جسر المسيَّب سيبوني) التي غناها أكثر من مطرب عراقي معروف.