صوفيا سميث غالار- بي بي سي الثقافي ترجمة: مي اسماعيل
أين ذهبت جميع النساء الجميلات القويات ذوات البشرة السوداء فيما سجله التاريخ والاساطير؟ وهل مسح الفن الغربي
وجودهن؟
كتبت "إليزابيث ماكغراث" مؤرخة الفن البريطانية مقالا سنة 1992 عنوانه: "اندروميدا السوداء"؛ وفيه أكدت أن اندروميدا بالفعل (كما ورد ذكرها في الاسطورة الاغريقية) أميرة من أثيوبيا. واندروميدا "Andromeda" هي الاميرة التي انقذها "بيرسيوس- Perseus" من وحش مائي قُّدمت ضحية له. لكن الاسطورة كما عرضتها هوليوود في فيلم "صراع الجبابرة- 1981" (الذي حاز شهرة كبيرة دفعت لاعادة انتاجه سنة 2010) قدمت اندروميدا (في المرتين) امرأة بيضاء. وكل من رأى اندروميدا في لوحة فنية (من أعمال الفنان الايطالي "تيتيان" أو البريطاني "أدوارد بوينتر") سيعتقد أيضا أنها بيضاء. كانت ماكغراث حازمة في تقديم ثلاث نقاط في مقالتها: أن كل جامعي الاساطير الاغريقية اتفقوا أن اندروميدا أميرة أثيوبية، وأن الشاعر الروماني "أوفيد- Ovid" يشير خاصة الى بشرتها الداكنة، وأخيرا- أن الفنانين الغربيين (على امتداد تاريخ الفن) أغفلوا غالبا اظهار سواد لونها؛ لأن اندروميدا من المفترض أن تكون جميلة، والجمال (بالنسبة لكثير منهم) لا يلتقي مع السواد. دأب فن عصر النهضة على تصوير أندروميدا امرأة بيضاء بشكل متكرر؛ فهي تبدو في لوحة "بيرسيوس يحرر اندروميدا" للفنان "بييرو دي كوزيمو" (نحو 1510 م) أكثر بياضا من جميع الشخوص حولها؛ ومن بينهم والديها وموسيقي أسود البشرة يرتدي ملابس مزركشة.
فن عنصري المنظور
دار جدال أدبي (وما زال) حول لون بشرة اندروميدا؛ وهو أمر يبدو عنصريا بالمنظور المعاصر. تشير ماكغراث الى تساؤل الكاتب والفنان الاسباني "فرانسيسكو باتشيكو" في كتابه "فن الرسم" عن سبب ظهورها بيضاء غالبا؛ رغم اشارة المصادر الادبية الى أنها سوداء. وتمضي قائلة: "لعله أصيب بصدمة حينما اكتشف أن أوفيد كان يتحث عن امرأة فائقة الجمال لكنها سوداء". كانت تلك الكتب (ومنها كتاب باتشيكو) تستعمل كمراجع لتوجيه الرسامين حول كيفية رسم الشخصيات؛ لذا من الممكن أن نرى كيف تنتشر مثل تلك الاراء. كان ظهور "اندروميدا السوداء" قليلا ومتباعدا؛ كما جرى في لوحة "بيرسيوس" للفنان الفرنسي "برنار بيكار" (1731) ولوحة "اندروميدا" للهولندي "ابراهام فان ديبنبيك" (1655)؛ وفيها تظهر امرأة ذات شعر وسمات وملامح نمطية بيضاء ولكن ببشرة داكنة. اندروميدا ليست البطلة السوداء الوحيدة التي حدث لها هذا؛ بل على العكس.. فان تقديم البطلات ببشرة بيضاء سبقه تقديم الشخصيات التاريخية في عصر النهضة بأوروبا من قبل المسيحية. درس "مايكل اهاجوورو" مؤرخ الفن والثقافة تمثيل الشخصيات السوداء في فن عصر النهضة. كان أولهم أحد الملوك الثلاثة الذين زاروا السيد المسيح عند ولادته؛ ويشار اليه عادة بالشخص الذي اهدى اليه لبان شجرة المر ذو الرائحة العطرية. وهي شخصية ايجابية، تناقض ما اعتاد عليه تاريخ الفن من تقديم الشخصيات السوداء بأدوار ثانوية كتابعين. الملك الاسود هنا يعبر عن قدوم القارة الافريقية الفتية لتنضم الى أوروبا وآسيا في المسيحية. يقول اهاجوورو: "كان هذا مثالا على تجمع العالم معا في آخر الزمان".. واشارت اليه النصوص الدينية بأنه من أثيوبيا.
لكن البحوث أظهرت أن العديد من اللوحات قدمت الشخصيات التي وردت في الكتب الدينية بصورة لا تشبه الوصف.. ومنهم- ملكة سبأ التي زارت الملك سليمان؛ فقد قدمتها اللوحات الفنية امرأة بيضاء.. ومنها- لوحة للفنان "كلود لورين" من سنة 1648 عن مغادرة ملكة سبأ؛ وتظهر فيها الملكة الاثيوبية امرأة مثيرة بيضاء اللون! وهذه هي الصورة التي رسخها فن عصر النهضة لاحقا.
الجمال الاسود
بدون حكمة ملكة سبأ وجمال اندروميدا؛ بقيت صور الجمال الاسود قليلة في تاريخ الفن. هناك بالطبع الكثير من التخطيطات والرسومات لأشخاص سود البشرة؛ ولكن منذ القرن الثامن عشر فصاعدا ركزت تلك الاعمال على عمال المزارع والخدم والعبيد. ومع ذلك ظهرت بعض الاستثناءات؛ منها ازدهار "الرموز السوداء" فنيا في هولندا.. جعل الفنان الهولندي "بيتر بول روبنز" الاجسام البشرية المكتنزة صيغة جمالية واسعة الانتشار؛ فكان من المقبول أن يقدم "الجمال الاسود".. وهذا ما جرى في لوحة "أنهار الجنة الاربعة" (التي ترمز للقارات الاربع) سنة 1610. جسد هنا القارات الاربع وأربعة أنهار؛ وكانت اجسام الشخوص وفية لطريقة روبنز الفنية (في الاكتناز والضخامة). وفي وسط اللوحة يستقر النيل؛ الكيان الوحيد الذي يطالع المشاهد بجرأة. مثّل الرسام النهر بشخصية نسائية سوداء قوية بطريقة غير مألوفة؛ والأكثر ارتداءا للمجوهرات في اللوحة. ورغم أنها كانت غرائبية الكيان؛ فقد امتلكت قوة جعلتها ندا للمرأة البيضاء في اللوحة. تمضي ماكغراث قائلة: "اهتم الفنانون في مدينة أنتويرب برسم الشخصيات السوداء؛ أما لاعتناق السود الديانة المسيحية، أو لوجود عدد منهم في شوارع المدينة". لكن هذا يبقى حالة نادرة في تاريخ الفن الغربي؛ كما تفسر ماكغراث: "لعلنا نفسر غياب الملوك السود عن دائرة الاهتمام بأن الناس (والفنانون الدينيون واللاهوتيون) لم يهتموا بالرمزية الدينية لاثيوبيا أو الوثنيين"؛ لذا غابت شخوص تلك الحقبة ولم تعتبر مهمة في تأريخ الفن.