قلم برتبة بندقية!

منصة 2021/07/12
...

 ميادة سفر
 
في الثامن من شهر تموز العام 1972 اغتال الموساد الإسرائيلي غسان كنفاني الأديب والمناضل الفلسطيني، أديب خطّ كلمات كانت أنموذجاً للمقاومة الثقافية والفكرية في وجه عدو احتل أرضه وشردّ شعبه، رحل كنفاني في ذلك التاريخ تاركاً كتباً ومقالات حملها حكايات «رجال الشمس»، وبثُّ فيها حلمه الدائم بالعودة إلى بلده «عائد إلى حيفا».
حلم لن يتحقق وسيغفو غسان كنفاني إغفاءته الأخير بعيداً عن أرض البرتقال، تاركاً إرثاً في المقاومة الثقافية ما زال حاضراً إلى اليوم، على الرغم من كل سنوات الرحيل التي ما قدرت أن تمحو أثره، ولم تتخلص منه إسرائيل، التي قالت غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الإسرائيلي يوم اغتياله: «اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح».
في الذكرى التاسعة والأربعين لرحيل غسان كنفاني يعود إلى الأذهان مصطلح «الأدب المقاوم»، والقلم الذي كان يقلق راحة العدو ويقض مضجعه، هل جفّ حبره؟ ماذا بقي منه؟ يحق لنا السؤال والتساؤل: أين أدباؤنا وأدبنا في هذي البلاد الرازحة في ظلال الاحتلالات والفقر والتشرد والنزوح؟. هل ولى زمن كان للأدب بمختلف صنوفه صولاته وجولاته، هل ما زالت الكلمة توجع كطعنة خنجر؟.
لاشكّ أنّ الاهتمامات التي كانت تشغل جيل الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من الكتاب، هي غيرها التي باتت تشغله اليوم، والقضايا التي كانت له مصيرية تحولت في هذا الزمن إلى مجرد خبر عاجل على إحدى المحطات الفضائية، جيل لا يلام إن هو نحى جانباً ما كان اعتنقه عن سابق إصرار وتصميم، بعد كل الانكسارات والنكسات والهزائم، واتفاقيات السلام والتسليم، وصولاً إلى استحداث صيغ جديدة مجددة لتحويل المستهجن لأمر طبيعي.. فكيف لنا أن نلومه إن أصابه الإحباط، فألقى عن كتفيه حملاً أرهقه.
رغم ذلك لم يغب الأدب عن قضايا المجتمع، لكن ما حصل أن الأولويات تغيرت والأحوال تبدلت، فاتجهت الأنظار إلى الداخل، فكل كاتب يتحدث عن همومه وهموم مجتمعه وأبناء بلده، مسلطاً الضوء على القضايا والمشكلات التي يعاني منها محيطه الضيق، تاركاً القضايا الكبرى للقادة والسياسيين، عالجت الروايات والقصص والمسرحيات والشعر مختلف المواضيع، من الفقر إلى الجرائم، إلى الحب والانتقام، وصولاً إلى الممارسات الأمنية من قمع واعتقالات، فكان أدباً ملتزماً بالإنسان وتفاصيل حياته اليومية، في محاولة لتغييرٍ ما، يحمل معه بارقة أمل وضوء.
لطالما كان قلم الأديب بمرتبة بندقية تقض مضجع السلطة، لذلك لا نفاجأ إن امتلأت السجون والمعتقلات بأصحاب الفكر والأدباء والمفكرين، لأن الكلمة كانت دوماً أمضى من السيف، وأكثر إيلاماً، لذلك حوربت عبر التاريخ، ولطالما حاول رجال السلطة قمعها وإسكاتها وخنق أي صوت يعلو على أصواتهم.
إننا اليوم أحوج ما نكون للكتابة المؤثرة، للكلمة الموجعة كالصفعة على وجوهنا، علنّا نستفيق من ثبات طويل، لأن كل ما نعاني منه سببه السكوت وكبت الكلمة وإسكات الصرخة، وإلا فعلينا وعلى الدنيا السلام.