بعد مناشداتهم باعادة إعمار الجامع النوري بتصميمه القديم..أهالي الموصل يرفضون خطة اليونسكو

ريبورتاج 2021/07/12
...

 شروق ماهر 
يقع الجامع النوري الكبير في مدينة الموصل شمالي العراق، اذ يعد أيقونة المدينة التي دمرت خلال العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الأمنية العراقية ضد عصابات داعش مطلع العام 2017، وكان الجامع النوري قد بني في عهد نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري (قبل 9 قرون) وسمي على اسمه، وعرف الجامع قبل تفجيره بمنارته {الحدباء} المائلة نحو الشرق، وقد نال الجامع شهرة كبيرة بعد أن شهد إلقاء زعيم عصابات داعش أبي بكر البغدادي خطبة أول جمعة ظهر فيها بعد سقوط الموصل بيد عصابات داعش في العاشر من حزيران عام 2014.
 
معماريون
وواجه مشروع ترميم {جامع النوري الكبير} في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى رفضاً وشكاوى لمئات المهندسين المعماريين العراقيين، بسبب مجموعة من التغيرات التي ستحاول تغيير معالم الجامع، ورأى اغلب المعماريين أن المجمع الجديد للمسجد يحتوي على {مفاهيم دخيلة} لا وجود لها مطلقاً، في حين أكدت منظمة اليونسكو التي ترعى المشروع أنها تأخذ بعين الاعتبار هذه الملاحظات.
في حين شعر مهندسون محليون بالاستياء من مشروع تصميم الجامع الحديث في محافظتهم ومدينتهم الموصل التي تفتخر بتراثها المعماري، وكانت الحكومة العراقية ومنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة قد اعلنتا مطلع عام 2018 إطلاق مشروع لإعادة إحياء وترميم التراث الديني للمدينة، خاصة مسجد النوري، وتم فتح باب مسابقة لاختيار تصميم، وفاز بها مهندسون معماريون مصريون.
وفي عام 2019 بدأت منظمة اليونسكو العمل على إزالة الألغام الأرضية من موقع جامع النوري ومنارة الحدباء بمساندة واشراف مديريتي بلدية الموصل والبلديات، اذ تمت في حينها ازالة ما تبقى من الهيكل الهش للمئذنة التاريخية، التي يبلغ ارتفاعها 45 مترا، والتي بُنيت منذ ما يزيد على 840 عاما، واعلنت الحكومة المحلية في حينها انتهاء رفع الأنقاض بالكامل من محيط المئذنة والجامع، وثبتت قبة الجامع بوضع أشرطة حول قاعدتها ودعاماتها.
 
خلافة كاذبة
وكان جامع النوري الكبير الذي اعلن زعيم داعش السابق الارهابي أبو بكر البغدادي، من خلاله {الخلافة} في 2014، قد تعرض ومئذنته المائلة الشهيرة للتدمير عام 2017.
وبعد أربع سنوات من التدمير، عملت منظمة اليونسكو والإمارات حملة تبرعت بمبلغ 54 مليون دولار للمشروع، والاتحاد الأوروبي عمل ايضا على حماية تراث المدينة من خلال تشييد المعالم الأثرية، وأبرزها جامع النوري ومنارة الحدباء.
 
اخفاق
وقالت منظمة اليونسكو بانها ستعمل {على ترميم مئذنة الحدباء التي كانت ذات يوم تحدد أفق المدينة، وتعيد بناء مجمع مسجد النوري كملاذ للسلام والمصالحة}.
لكن المشروع قوبل باستياء مهندسين معماريين عراقيين، من بينهم إحسان فتحي أحد أشهر المهندسين المعماريين في العراق الذي وصف المشروع بأنه {اخفاق تام، فكل شيء كان مأساة مروعة بالنسبة لنا}.
وبعدها أصدرت جمعية المهندسين العراقيين التي تشرف على نقابة المهندسين، بيانا قالت فيه إن التصميم الفائز {معيب بشكل خطير}، مشيرة إلى أنه قدم العديد من المفاهيم {الغريبة} التي من شأنها تغيير الموقع إلى درجة لا يمكن التعرف عليه.
ويقول معارضون للمشروع إن التصميم الفائز تغلب عليه {الروح الخليجية} مشيرين إلى استخدام الطوب الأبيض المصقول وزوايا مستقيمة من النوع الموجود في الخليج، على النقيض من الأقواس والمرمر المحلي والحجر الجيري التقليدي في مباني الموصل}.
بينما انتقد المهندس المعماري رعد النعيمي من جامعة الموصل في تصريح لمراسلة {الصباح} : {المواد المتواجدة في التصاميم الحديثة والألوان والعناصر والنسبة والإيقاع والعلاقة بين العناصر، بأنها لغة أخرى غريبة ليس لها أي علاقة بالتراث المعماري الاصيل الذي يعد ايقونة نينوى}.
 
مسابقة
وكانت المهندسة المعمارية الموصلية حسنية جرجيس التي شاركت بالمسابقة التي نظمتها اليونسكو مطلع العام الجاري بقرابة 120 فريقاً هندسياً من مختلف دول العالم، 7 منهم من العراق، قد اعلنت في وقتها أن {فريقها التزم بجميع المعايير والشروط التي طرحتها اليونسكو، والتي ألزمت جميع الفرق بتقديم تصاميم مستوحاة من الهندسة المعمارية التقليدية لمدينة الموصل مع الحفاظ على أصالة الجامع، فضلا عن وجوب استخدام مواد بناء محلية ومراعاة إعادة إعماره وفقاً للوضع الذي كان عليه قبل عام 2017}.
واكدت جرجيس وهي من ابرز المعماريات في مدينة الموصل أن {فريقها تعرض للخداع، اذ عملت مع فريقها على إعداد التصاميم لمدة لا تقل عن 4 أشهر، لتتفاجأ بعد ذلك بعدم اعتماد اليونسكو أيا من المعايير التي أكدت عليها في شروط المسابقة.
 
شركات غيورة
وتابعت جرجيس {للأسف لاحظت أن التصاميم الفائزة تخالف حضارة الموصل القديمة التي تنفرد بأزقتها وطابعها الخاص في استخدام الحجر والجص في بنائها، فضلا عن خاصية انغلاقها المعماري الداخلي الذي تتميز به جميع أبنية المدينة}.
من جانبه اكد المهندس صباح مجيد احد المعماريين في حكومة نينوى المحلية أن الانتقادات الموجهة للتصميم مصدرها {شركات معمارية غيورة}.
مبيناً أن {بعض الأشخاص الذين أرادوا العمل في المسجد ولم تكن لديهم فرصة للقيام بذلك خلقوا العديد من المشكلات لوقف العمل}.
وكانت منظمة اليونسكو قد اشارت إلى أن {قواعد المسابقة تم تطويرها بالتنسيق مع وزارة الثقافة العراقية، وتوقعت أن يقدم الفائزون تصميما نهائيا أكثر تفصيلا مع بدء البناء في هذا الخريف}.
ولم يستبعد باولو فونتاني، مدير مكتب منظمة اليونسكو في العراق، إجراء تغييرات على الخطط النهائية، وقال إن اليونسكو ستتشاور مع خبراء ومهندسين معماريين محليين.