العطيشي.. خان عاش أحداث التاريخ واهمله الحاضر

ريبورتاج 2021/07/13
...

  علي لفتة سعيد
 
  تصوير: ذياب الخزاعي
الطريق الى كربلاء له ثلاثة اتجاهات من النجف جنوبا ومن الحلة شرقا ومن بغداد شمالا ما يميز هذه الطريق وجود أبنية تراثية تطلق عليها كلمة (خان) والتي يربطها الاسم بفترة الاحتلال العثماني للعراق، كما يعتقد البعض بالرغم من أن هناك من يذكر انها وردت في المصادر منذ عام (279هـ)، هذه الخانات التي كانت في الأساس أماكن استراحة مثلما هي أماكن للتجارة وهي أماكن تموين للعسكر، مثلما هي أماكن للثوار لاسيما في زمن الاحتلال الانكليزي، إذ يصل عددها الى أكثر من 99 خانا تبدأ من مدينة طوس الايرانية وتنتهي في مدينة النجف الاشرف عند خان النخيلة الذي تعرض للهدم. 
ومن بين هذه الخانات في العراق خان العطيشي الذي تسمى المنطقة أو الناحية باسمه وهي تقع على بعد 20 كم الى الشمال الشرقي من مدينة كربلاء والخان يقع داخل المدينة تماما لكنه مهمل ويعاني الكثير من التصدعات، بل تحول الى ما يشبه مكب النفايات رغم انه كان يحمل طرازا فريدا في بنائه الذي يكون على شكل إيوانات مقوسة مبنية من الطابوق وعلى مساحات كبيرة بشكل قريب الى شكل المربع.
 
معنى الخان
يقول الباحث في الآثار حسين ياسر: إن اللغويين العرب يجمعون على أن الخان كلمة فارسية الأصل معربة معناها المنزل، وربما أطلقت على الحانوت أو صاحبه، ثم استعملها العرب والأتراك في بلاد الشام ومصر بمعنى المكان الذي ينزل فيه التجار والمسافرون القادمون من بلد آخر، وهو ما يعرف أيضاً بالفندق بيد ان البعض يراها تترية او تركية او انها جاءت عن الآرامية القديمة والمقصود بالخان هو المكان الخاص بإقامة التجار وحفظ امتعتهم وبضاعتهم، وتعود نشأة الخانات إلى عهود قديمة، وكانت في أول عهدها بسيطة البناء، ثم اتسع بناؤها وعظم الاهتمام بها بسبب انتشار التجارة وكثرة الأسفار لأغراض مختلفة واوضح أن شيوع لفظة الخان في تلك الأقاليم لعله كان بسبب التجار العراقيين الذين استقروا في الشام ومصر وخصوصا بعد سقوط بغداد عام 656هـ - 1258م، اذ انتقلوا الى تلك الامصار بأموالهم وخبراتهم، ثم ان هناك قرى وبلدات كثيرة ركبت أسماؤها من كلمة «خان» مضافة إلى كلمة أخرى، وبين ياسر أن اشكال الخانات تعددت مثلما تعددت أقسامها وطُرز بنائها، بحسب موقعها والغاية التي أقيمت من أجلها، لكن جرت العادة أن يتألف الخان من باب كبير ذي مصراعين ضخمين يتسع لدخول الرواحل المحمّلة بالبضائع، أو من باب كبير واحد، فيه باب صغير في وسطه يسمى «الخوخة» لدخول الناس إذا لم يكن هناك حاجة لفتح الباب الكبير، وهذا الباب تحيط به واجهة مزخرفة ذات عقود وأبراج، ويؤدي إلى باحة مكشوفة واسعة قد تتوسطها بركة ماء، وتحف بالباحة حُجرات متنوعة، ومحال لإيداع البضائع أو بيعها، ومكاتب للتجارة تودع فيها العروض وما إليها، إضافة إلى المسجد، وبئر الماء في جانب تلك الباحة، وثمة أقسام ملحقة بهذا الطابق الأرضي لإيواء الدواب، وفيه أيضاً بيطريون وعلفٌ للرواحل.
واوضح ايضا ان الخانات على نوعين: الأول الخانات التي تبنى داخل المدن وهي عادة تكون صغيرة الحجم نسبيا اذا ما قورنت مع النوع الثاني من الخانات وتسمى خانات القوافل و تبنى خارج المدن على الطرق التي تربط بين المدن المهمة التي تسلكها قوافل التجار والحجاج وايضا الطرق التي تؤدي الى العتبات المقدسة.
 
الشيخ عطيش
يقع خان العطيشي في مدخل ناحية الحسينية التابعة لمحافظة كربلاء والتي تقع الى شمالها الشرقي بمسافة 17كم، اما عن تاريخ بناء الخان فانه ينسب الى الوالي العثماني سليمان باشا الكبير وان تشييده كان في سنة 1209هـ -1793م وتولى سليمان باشا الكبير ولاية بغداد وحكم حوالي 22 عاما (1194 - 1217 هـ/1780 - 1802م) وقام ببعض الاعمال العمرانية ومنها تعمير سور بغداد الشرقية واتخذ لجانب الكرخ سورا وخندقا واعاد بناء السراي وعمر سوق السراجين وانشأ خانا هناك وبنى قصرا خارج الباب المعظم على ضفة النهر وبنى قلاعا في كوت الإمارة ومخازن للغلال في انحاء بدرة وجصان وسور مدينة مندلي، كما رمم سور البصرة والحلة وبنى الخانات في الاسكندرية وكربلاء واصلح بناء جامع الفضل والخلفاء.
اما عن التسمية فيشير الى أن تسمية خان العطيشي ترجع الى الشيخ عطيش بن شبرم بن شباب، ويستدرك انه لا توجد في هذا الخان أروقة داخلية كالتي موجودة في باقي الخانات ومنها خان النخيلة(الربع) في كربلاء لكننا نجد ستة ايوانات في كل من الابراج الركنية الاربعة وهي ذات قياسات 
مختلفة 
وترتفع ارضيتها عن مستوى الارض الحالية 60سم واستخدمت سابقا كمعالف للحيوانات ويؤدي اليها مدخل صغير عرضه متر واحد ويعلوه عقد نصف دائري وتعلو هذه الأبراج اربع قباب كبيرة نصف كروية، اما الايوانات فقد عقدت بأقبية مدببة الشكل مستوية السطوح، ان جميع العقود المستخدمة في هذا الخان مدببة ومرتفعة ماعدا عقود مداخل الابراج والسلمين ودخلات الايوانات فإنها نصف دائرية، اما مواد البناء المستخدمة في هذا الخان فهي الاجر(الطابوق الفرشي) والجص وقياس الفرشي 25×25×5سم كما استخدم نوع آخر من الفرشي قياساته 22×22×5سم لتزيين الواجهة الخارجية. 
 
وصف وحسرة
وقال الباحث الدكتور عدنان عبيد المسعودي عن خان العطيشي : ان بناءه يعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر ويقع على كتف نهر السليمانية العتيق (الحسينية) وشيّد ليكون مأوى للقوافل المتجهة إلى كربلاء من الحلة او بغداد، كما يمثل مركزا لسيطرة الجيش العثماني، واضاف المسعودي: ان الخان عبارة عن بناء شبه مستطيل، اقرب إلى التربيع، بطول ضلع ( 65 م × 55 م )  والباب الرئيس يتجه إلى القبلة، ومواجه للنهر السليماني مباشرةً وسمك جدرانه الخارجية متر واحد.
وارتفاع ما بقي من جدرانه الخارجية بحدود خمسة امتار تقريباً، ويُدعّم الخان بأربعة أبراج ركنية، يقع قطر البرج الواحد في حدود الستة امتار او يزيد، وهو معقود السقوف بطريقة العقد نصف الدائري، ويمضي بقوله ان الأبراج الأربعة الركنية تشكّل مأوى لقوات الحرس العثماني (الجندرمة) وهي قوات شرطة داخلية، ويحتوي كل برج من الجهات المطلة الفضاء الخارجي على فتحات تهوية، وتستخدم ايضا لإطلاق النار في حالات المواجهة مع قطاع الطرق وغارات القبائل التي تقطع طريق القوافل، ويقول ايضا ان أكثر ريازة الخان تهدمت ومن ذلك سقوط وضياع الرواق الداخلي، منذ بدايات القرن العشرين، والرواق عبارة عن بناء دهليزي معقود السقوف بطرق العقد القببي، والتي تُحمل على أقواس تُعقد بأسلوب العقد المدبب أو المقوس. 
ويضيف المسعودي متحسرا عن هذا الأثر التراثي فيقول: إن كل هذا المجد المعماري قد زال ولم يبق منه إلّا بقايا وآثار الأواوين الداخلية الملازمة للجدار الخارجي، وان الخان في حالة تداع وتساقط بطيء، خصوصا بعد تداعي جداره الشرقي في عام ٢٠١٣م، وقد ناشدنا الحكومة المحلية في حينها وذهبت إعادة تأهيل الخان أدراج الرياح، ولم تجد آذانا صاغية في حين وقفت هيئة آثار كربلاء موقف المتفرج.
 
أحداث مرت
ويوضح الباحث عن ما شهده الخان فيؤكد انه شهد أحداثا تاريخية جساماً مرّت بها كربلاء، ومن تلك الأحداث الشهيرة حادثة المناخور وهو قائد إسطبل خيول داوود باشا والي
 
 بغداد الذي استنجد بقبيلة عقيل والقصيم والاحساء لتأديب اهالي كربلاء؛ وذلك لأن اهالي كربلاء رفضوا مشروع استقلال العراق عن الدولة العثمانية المتهالكة الذي سعى لإقامته داوود باشا عام 1824م ، فتحركت جموع الجيش العثماني والقبائل فعسكروا في ضواحي كربلاء، واتخذوا من خان العطيشي نقطة تجمع وإدارة، وكانت مقدمة الجيش العثماني في القنطرة البيضاء وهناك دارت أكثر من تسع منازلات مع اهالي كربلاء الذين ابدوا استبسالاً وشجاعة في مواجهة عرب عقيل والقصيم، وفي جميع المنازلات انكسر العثمانيون. ويشير الى أنه بعد مقتل قائد جموع العثمانيين الشيخ صفوك الشمري وسقوط جثته في أرض الجويبة، انتدب داوود باشا المناخور قائد أسطبل خيول ولاية بغداد، وكان داهية محنكاً، فسار بألف وخمسمئة من الجندرمة المدربين يجر معه المدافع، وانتدب المناخور قبيلة بني حسن فأنجدته بلفيفٍ من الأعراب والمعدان الذين تقدموا امامه من ناحية باب المخيم فتسلقوه بعد قصفه بالمدافع ولكن أهالي كربلاء ردوهم على أعقابهم مندحرين، وبين انه في النهاية استسلمت كربلاء بعد أربع سنوات من المقاومة بعد أن قطعوا عنها ماء نهر السليمانية وعقروا مصادر تموينها، وشهد خان العطيشي أحداث ثورة العشرين حيث نزله الثائر ضد الإنكليز الشيخ حارث الضاري مع ثلّة من الثوار، فكان مركزاً لانطلاق عمليات الثوار ضد مواقع الإنكليز المتقدمة في سدة الهندية وفي الوند. 
وفي عام 1941 قصفت الطائرات الإنكليزية خان العطيشي بعد أن أدركت وجود بعض عناصر انتفاضة 1941 ضد الاحتلال الإنكليزي، لكن الباحث يستدرك بسرد قصة يعدها مقولة ممن اسماهم بعض أصحاب الوهم العشائري يروجون مفادها إن شخصا إسطوريا أطلق عليه اسم عطيش بن شبرم زعموا أنه جد لقبيلة المسعود، ويزعمون أن معركةً  نشبت بين قبيلة المسعود وشريف مكة قرب خان العطيشي؛ وهذا كله من نسج الوهم والخيال ولا يوجد له أي أساس تاريخي، كما لم يأت على ذكره أي من  المصادر التاريخية التي يُعتدُّ بها، وإنما هي محض تخيلات واوهام عشائرية، محذرا من اختفاء خان العطيشي خلال بضع سنوات، اذ ستزول صفحة مهمة من شواهد تاريخ وادي الرافدين العريقة إذا لم تتم اعادة تأهيله خاصة وان هذا الخان ربما شهد لقاء الشيرازي بالضاري للتنسيق وتوسيع عمليات ثورة العشرين لتشمل الأنبار للتخفيف عن ثوار كربلاء والنجف وبابل والديوانية.