ضحى عبدالرؤوف المل
ما بين الكتاب القدماء والكتاب المحدثين عدة نقاط مختلفة قد تتوافق مع رؤية البعض من المحترفين والهواة وغيرهم، وقد تتعارض، وفي الحالتين لا يمكن عد ما ورثناه من الماضي إلا أنه الأصيل الذي نميل إلى الالتفاف إليه وعده الأرض الخصبة لولادة الكاتب، فما درسناه أدبياً عن الكثير من الأدباء والمفكرين كأرسطو وفولتير وغيرهم أثمر بشكل كبير في الوعي الفكري الأدبي الذي أدرك من خلاله الكاتب أن الأدب القديم للكاتب الحديث كالزهرة بالنسبة للنحلة. إلا أن الكاتب الحديث استطاع تطوير ما ورثه من الماضي، ودمجه في حاضره الواعي بالحداثة مستكشفاً بذلك الكثير من المفارقات بين الماضي والحداثة، وحتى ما بعد الحداثة التي تنتفض على هذا الإرث، وتحاول الخروج عن الكثير من القواعد الفنيَّة حيث إنها تحاول تحرير نفسها من القيود الكلاسيكية.
فما هي الفروقات بين الكاتب الحديث والكاتب الكلاسيكي القديم؟ وهل ما ورثه الكاتب من القدماء هو الشرارة القوية التي تتقد وتستمر معه في الحاضر الذي يتكون منه المستقبل؟ وما هو الوعي الوراثي الأدبي؟ ومن الذي يمكن أنْ يكون أنموذجاً مثالياً للكاتب الحديث؟
إنَّ تحديث الأدب القديم من خلال النقد يجعلنا أمام مرآة ذاتيَّة، وهي التجربة الحداثيَّة للكتاب من خلال النقد، واستكشاف جميع الأساليب التي تحمل في طياتها بذرة الحداثة التي ندافع عنها في نص ما بعيداً عن تعقيدات افلاطونيَّة حساسة ودقيقة، لاستخراج المعنى الدقيق للإرث الأدبي والقواعد الأساسيَّة له، لينطلق الكاتب من الأسس الكلاسيكية نحو حداثة متحررة من القوالب، لكنها مؤثرة من حيث قوتها في إنتاج الكاتب الحديث المرتبط بإرثه أو بما ورثه من الكتّاب القدماء. فهل يعتمد الكاتب الحديث على قراءة إنتاج الكتّاب القدماء بشكلٍ يومي؟ وهل يتخلى عن القراءات المتعثرة في الحداثة؟ وهل من إرث أدبي سلبي انعكس على الكاتب من خلال إرادته القويَّة بالتمرد على القدماء، أم انه يمكن عده انقلاباً عليهم؟ وهل ما شهدناه مؤخراً من خلال الرواية التي تُسمى ما بعد الحداثة ثورة على كتاب الماضي وقواعدهم؟
إنَّ رفض الإرث الأدبي الماضي يعني عدم القبول بالميراث الشرعي الأدبي، وبالتالي مقاومة إعادة تشكيل ما ورثناه، والانتفاضة على كل أنواع الأدب، لتحقيق مفهوم ما بعد الحداثة. لا سيما أنَّ الحداثة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم الأدبي القديم الذي اعتبرناه الشرارة التي تتقد دائماً، ولا يمكن أنْ تنطفئ مهما حاول الكاتب الحديث فعل ذلك. فالتحرر من الإرث القديم في الأدب يُلزم كتّاب ما بعد الحداثة وضع النظريات التي تتعارض مع الأدب الكلاسيكي، بالرغم من أنه يمكن اعتبار ذلك تطرفاً أدبياً لا يمكن حتى مناقشته أو القبول به، وإنما ما يقوم به الكاتب الحديث من رسم للعلاقات بين علم الجمال والسياسة والأدب والتاريخ وغير ذلك.. لهو من القضايا الأساسيَّة التي تشهد ربما على تطورات الأدب داخلياً وخارجياً، وارتباطه ارتباطاً وثيقا بالأدب القديم. فهل سنشهد على نهاية الرواية الملتزمة بالأدب القديم ومفاهيمه؟ أم أنَّ الخلط بين الأدب القديم والأدب الحديث نتج عن زمنين مختلفين لكل منهما كتّابه؟ وما هي عواقب ما بعد الحداثة على الكاتب الحديث وشرعية الأزمة التي يعاني منها الأدب العربي تحديداً بعد الثورات وبعد فيروس كورونا الذي فرض واقعاً أصاب الأدب بالتقوقع على ذاته؟ .وهل من رؤية مستقبليَّة يحملها الكاتب الحديث كشعلة واقعيَّة يتحدى بها ظلاميَّة ما بعد الحداثة بإخلاص أدبي ورثه من الكتّاب القدماء؟