في ذكرى تدمير بيروت

منصة 2021/08/02
...

 غفران حداد 
قبل عام، وعند الساعة السادسة وثماني دقائق  من مساء الرابع من آب2020 ، اهتزت مباني بيروت، كنا نظن للوهلة الأولى إنه زلزالٌ كبيرٌ ضرب العاصمة، مالت بنا العمارة السكنية حتى شعرنا ان الأرض ستخسفُ بنا  خرجت مع زوجي من غرفة النوم مسرعين خوفا من تكرار الهزات وسط صرخات طفلتنا الرضيعة التي بدأنا بتحميمها 
فقد انقلب البانيو الصغير لها بفعل قوة الاهتزاز والغي موعد نومها ،فلا أحلام ولا أمنيات صغيرة ممكن ان تتحقق في هذه البلاد، كان ذهولنا كبيرا من رؤية تكسير وخلع الأبواب وتحطيم زجاج نوافذ المنزل، شعرنا ان سلالم العمارة السكنية طويلة جدا لا تنتهي، ونحن نستمع لصرخات نساء وأطفال الجيران ووجوه بعضهم ملطخة بالدماء، فمن قوة الاهتزاز المتواصل شعر كل مواطن أنها نابعة من بيته ،لن انسى منظر جاري السبعيني أبو أحمد وهو يحمل زوجته وابنه وهما ينزفان، لا أعلم من أين أتته القوة دفعة واحدة وهو المريض الذي يتعكز دوما على الحيطان ليصعد إلى منزله في الطابق السادس.
اجتاح كل واحد منا شعورٌ غريب بأننا أناسٌ غرباء في مدينتنا ، وجدنا أنفسنا فجأة بين أيادي المسعفين ليضمدوا جراحنا، وصافرات سيارات الاسعاف مستمرة في هلعها ساعات وساعات لا تتوقف ، وايادي الصليب الأحمر تتلاقفنا،  لترمينا على أرصفة المستشفيات ، فلا وقت لديهم لإدخال جميع المصابين إلى ردهات الطوارئ، وهناك مئات الجرحى يملؤون الأحياء وحالتهم ربما خطرة اكثر منا.
لقد تهنا في شوارعنا التي نعيش في مبانيها منذ أعوام، وكل واحد منا ما عاد   يتعرف حتى على ملامح سيارة منزله التي يستقلها كل يوم، من شراسة الانقاض التي هبطت عليها ومن قوة الزجاج الذي تشظى فيها ،  لن تروا هذه العتمة الا في لبنان.
في الرابع من آب 2020 تكتشف في شوارع بيروت  انك لست في بيروت ، كان منظر الزجاج المطحون ودماء الناس في كل مكان، وسحب الدخان تملأ سماء العاصمة ، الأطفال حفاة الأقدام يصرخون مع صرخات أمهاتهم،  والرجال هم بحاجة لمن يهدئ  فزعهم ، خطوط الهاتف النقال  أصبحت فجأة لا تعمل لتعود وتصبح مشغولة ، ونحن نحاول تطمين اهالينا خارج البلاد ، والاطمئنان على أرواح أصبحت مثلنا في عداد الجرحى وربما المفقودون ،ونسأل بعضنا البعض ماذا يجري ، ولا أحد لديه الإجابة ، تستمع لعدة تحليلات ولا أحد يعلم الحقيقة.
حتى جاءت الأخبار والعناوين تملأ شاشات التلفاز اللبنانية عن انفجار كبير جدا في مرفأ بيروت ، وتدمير  ثلث المدينة، انه مستودع رقم (12) الذي يحتوي نيترات الأمونيوم وتتضارب الأنباء بين حريق امتد من مستودع للمفرقات الى حريق حصل بسبب التلحيم، و رغم الذهول والضياع الذي شعرنا به وقت الانفجار ،كان كل مواطن ومواطنة بيروتي وكل مقيم في لبنان على يقين بان ما حصل لم يكن صدفة كل ما جرى من حطام لبيروت كان مقصودا.
اليوم شعرنا ان ما مر بنا قبل عام كان كابوساً وافقنا منه، ليجد الشعب اللبناني نفسه يواجه ذروة أخطاء سياسية واجتماعية واقتصادية صنعها الانقسام الطائفي والصراع على حصص الطوائف ، فمنذ تأسيس دولة لبنان الكبير، وأزماته السياسية والاقتصادية لا تنتهي ، وتتكاثر رؤوس البنى الطائفية التي تنصب الأفخاخ لهذا البلد، لن نقول على أحد يا عيب الشوم ، فالعيب مات مع موت الضمير للذين يريدون الحزن والأسى لسكان بيروت .
مر عام على ذكرى تدمير بيروت ، الكل يندد ويشجب ويستنكر،  فمن المقصِّر إذن؟ من تلاعب بحيوات الناس؟ 
قالوا إن تحقيق انفجار المرفأ سينتهي خلال خمسة أيام ، ومر عام ولم نر أي نتائج للتحقيق، قاض يأتي ثم يعزل ثم يأتي قاض ثان ولكن المتهمين محميون. 
من يبني بيروت التي دمرت ؟ ومن ينشِّف دموع أهالي مئتي ضحية دفنت؟
ومن يضمد جراح ستة آلاف جريح سقطوا في يوم الانفجار؟ 
بمرور عام على ذكرى الرابع من آب ، نطالب البيروتيين بالعودة إلى الساحات والتظاهر على تدمير ٢٥% من جغرافية بيروت ؟ نتظاهر لأجل منظرنا ونحن ننتظر بالساعات على إحدى محطات البنزين؟ 
 لأجل موجة الغلاء التي تتصاعد كل يوم مع كل تحليق لسعر صرف الدولار!.
لأجل اختفاء حليب الأطفال وان وجد فيكون بأسعار خيالية، نتظاهر لأجل أوجاعنا وآلامنا ولا نجد اليها حتى الدواء البديل ، فالجميع يفتعل الأزمات ويخزّن البضائع لمضاعفة الأرباح حتى ممن يعملون في مهن إنسانيَّة ، ما عاد هناك شعور بالرحمة والانسانية تجاه بعضنا البعض فالجشع والطمع استوطن قلوب 
الكثيرين .
نعم نتظاهر ياسادة ، ولا تقولوا ان التظاهرات السلمية لا تجدي نفعاً ، لقد قاومنا وصبرنا  رغم الظروف المناخية المختلفة التي عشناها ، ورغم جائحة كوفيد-19 التي خشينا التجمع في وجودها .
فلبنان يحتاج إلى تأسيس وبناء دولة جديد ، وإلى مشروع ديموقراطي علماني جذري ليواجه الأزمات الاقتصاديَّة  التي ابتليّ بها . 
نحن نستحق ان نعيش في وطن يليق بتضحياتنا علينا ان نتحد ونطالب بكشف نتائج التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، و رفع الحصانات عن متهمي 4 آب/اغسطس، فلا للتسييس ولا للتضييع.