الذكرى ٧٧ على غيابها أسمهان وأسرار الجمعة الأخيرة

منصة 2021/08/05
...

 غفران حداد 
في صباح يوم الجمعة (14 تموز 1944) خطف الموت أميرة الجبل السوري أسمهان، أحد أكبر الأسماء في تاريخ الغناء العربي في القرن العشرين. في حياة أسمهان عشرات الأسباب التي تشكل إغراءً لإحياء ذكرى وفاتها لدى محبيها، سأماً من حال الأغنية العربية الهزيلة التي نستمع إليها هذه الأيام، أو ربما لأن حياة الأميرة الحزينة صاحبة العينين الخضراوين مليئة بالأسرار والخفايا منها فنية وشخصية وسياسية، وعلى الرغم من الكتب الكثيرة التي تناولت حياة أسمهان منها {أسمهان لعبة الحب والمخابرات}، {أسمهان الليلة الأخيرة}، {أسمهان ضحية المخابرات} وغيرها، لكن جميع ما كتب حاول أن يفك شيفرات لغز مصرعها ولم يستطع أحد تحديد الجهات المسؤولة وراء الحادث.
 
الجمعة الأخيرة في حياة أسمهان كانت استقلت سيارتها الخاصة وساروا في الطريق الزراعي بين قرية طلخا ومدينة المنصورة، وكانت برفقتها صديقتها ومديرة أعمالها الآنسة ماري قلادة، فحدث في أثناء السير أنْ ترّدت السيارة، وكانت تسير بسرعة فائقة وفي مكان شديد الانحدار {مطب} مفاجئ، وسقطت على إثر ذلك في ترعة الساحل أو فرع من النيل وفي عمق ثلاثة أمتار غمرت المياه السيارة قبل أنْ يتمكن أحد من إنقاذها واستطاع السائق أنْ يقفز وينجو.
بعض الصحف المصرية كتبت أنَّ أسمهان كانت قد اشترت السيارة التي استقلتها يوم الحادثة قبل ثلاثة أشهر بمبلغ ألفي جنيه مصري، وبعد شرائها بدقائق معدودة، عرض عليها أحد الأشخاص أنْ يبتاعها بألفين وخمسمئة، فرفضت قائلة أنا متفائلة بهذه السيارة، غير أنَّ الفنان الراحل يوسف وهبي يفنِّد هذه القصة إذ قال في لقاء تلفزيوني “في يوم الخميس قبل يوم من الحادثة طلبت أسمهان مني إجازة من التصوير لأنَّ لديها دعوة من صديقتين يومي الجمعة والسبت في نزهة لـ{رأس البر}، ولأنه مكانٌ غير مريح فنصحتها بالذهاب إلى الإسكندرية فرفضت وفي صباح اليوم التالي في السادسة صباحاً طلبت من زوجتي واستأذنتها للإلحاح على أسمهان لإقناعها بأنْ تأتي معنا في عطلة الأسبوع في الإسكندرية فوافقت، وبقيتُ ألحُّ على أسمهان بأنها لن تشعر بالراحة في هذه المنطقة وأنها ستكون مرهقة ومتعبة وفجأة جاءت صديقتاها وقالتا إنهما ستأخذانها فقالت لي أسمهان لا أستطيع رفض طلبهما وكأنهما والعياذ بالله ملاكان من ملائكة الموت والغريب أنهما لم يركبا في سيارة أسمهان بل سبقاها وهي ركبت في سيارة ملك شركة ستديو مصر ولا يوجد فيها أي شبهة أنه تم اللعب في السيارة وكانت معها صديقتها وأبواب السيارة مغلقة لهذا لم تستطع النجاة لهذا كان من الصعب أنْ نعمل نهاية سعيدة لبطلة فيلم وهي توفيت منذ أسبوعين، فبذلت كل ما بوسعي من الحيل السينمائيَّة لإنجاح وإكمال الفيلم، ومن حسن الحظ انها سجلت جميع أغاني الفيلم بصوتها}.
ولكن رواية الفنان الراحل يوسف وهبي لم يقتنع بها كثيرون لأسبابٍ عديدة، أهمها اختفاء السائق الذي خرج من السيارة بعد سقوط السيارة في الترعة ولم يصب بأي أذى.
لا أحد يعلم السبب الحقيقي وراء ما حدث في الجمعة الأخيرة في حياة أسمهان إنْ كانت حادثة وفاة أميرة الدروز قضاءً وقدراً، أم أنَّ عملها الاستخباري مع البريطانيين الذي كان قد بدأ في بداية العام 1941 هو السبب؟، إذ تم تكليفها بمهمة في الشام وقد زودتهم بمعلومات قيل إنها مهمة وخطيرة حصلت عليها من بعض السياسيين المصريين وفي ما بعد أسهمت بإقناع زوجها وابن عمها الأمير حسن الأطرش وحلفائه في جبل الدروز بالتعاون والتحالف مع بريطانيا لهزيمة قوات فيشي وطردهم بعد أنْ سلمت الزمام للألمان، ظناً منها أنَّ هذا العمل هو خدمة لبلدها سوريا وكانت تقبض من السلطات البريطانيَّة رواتب رؤساء العشائر وتدفعها لهم بانتظام في مدينة السويداء والنتيجة كان لبريطانيا ما أرادت فقد دخلت إلى لبنان وسوريا وقضت على القوات الفيشيَّة وتم احتلال البلاد، وكانت أكبر أخطائها حين سافرت مع العميل الألماني فورد، فقامت السلطات البريطانية بإعادتها من الحدود السورية - التركية لينتهي دورها في العمل الاستخباري.
أسمهان رسمت مجدها وتاريخها بوقتٍ قياسي كسر الأرقام، عملت خلال سنوات فنية متفرقة ولكن بقيت أعمالها خالدة رغم أنها لم تتجاوز في مجموعها الثلاثين أغنية وفيلمين هما {انتصار الشباب}، و{غرام وانتقام}، ولكنها مع كل الأسف لم تكمل تصوير المشاهد الأخيرة من فيلمها الثاني بعد أنْ خطفها الموت وهي في شرخ صباها (32 عاماً)، وتاريخ ولادة أسمهان لا يزال يحيطه الغموض ولم يتم التأكد منه إلى الآن، فهنالك الكثير من المقالات والدراسات والكتب اختلفت في تحديد دقيق لولادتها، هناك من ذكر أنَّه كان 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1912، في حين ذكر آخرون أنه كان في 24 كانون الأول من العام 1917، والبعض أشار إلى أنها ولدت عام 1918.
ومهما يكن من الاختلاف في تاريخ العام الذي ولدت فيه إلا أنَّ عمرها الفني امتد بين (1932 - 1944)، ورغم المدة القصيرة من العطاء والمجد والشهرة إلا أنها لا تزال تشغل حيزاً مهماً في ساحة الغناء العربي، متربعة على العرش كأنها رحلت بالأمس أو كأنها باقية إلى اليوم ولم ترحل.
رحلت الأميرة الحزينة وأغانيها لا تزال تغازل أسماعنا من {ليالي الأنس في فيينا}، إلى {دخلت مرة في جنينة}، {أنا اللي أستاهل}، {نويت أداري أيامي}، {ياطيور}، {ليت للبراق عيناً}، وغيرها الكثير. 
يمرُ كل عام تاريخ ذكرى رحيلها بمزيدٍ من الأسى والشجن على محبيها، نستذكرها ونحنُّ الى عصر الغناء العربي الكلاسيكي.