ميادة سفر
كان اليونانيون القدماء يضعون على أبواب المكتبات عبارات تعلم روادها بأنّ المكان الذي يدخلون إليه هو «مكان لشفاء الروح«.. فأي أثر يمكن أنْ تتركه القراءة في نفوسنا؟!. ونحن نلتهم الكلمات ونقلب الصفحات، نشرد هنا.. تدمع أعيننا هناك.. وأحياناً نبتسم.!.
إنَّ فكرة أو مصطلح ما بات يعرف بـ «العلاج بالقراءة« ليس حديث العهد، بل يعود إلى عدة عقود، ففي العام 1941 اعترف قاموس Illustrated Medical Dictionary الطبي لأول مرة بهذا المصطلح «بيبلوثيرابي« وعرفه بأنه استخدام الكتب وقراءتها في علاج الأمراض العصبيَّة.
لا شك أنَّ للكتُبِ أثرها وتأثيرها الكبير في حياتنا، لا سيما معشر القراء النهمين الذين لا يفارق الكتاب أيديهم.. وبعيداً عن كتب التنمية البشرية والمساعدة الذاتية التي تخطت إصداراتها الخيال، للرواية والقصة فضلاً عن الكتب الفكرية من فلسفية واجتماعية وعلمية وسواها.. دورٌ لا يمكن تجاهله في علاج كثيرٍ من الأمراض العصبية والنفسية، هذا ما أكده عددٌ من المشتغلين في مجال الطب النفسي.. فهي وإنْ لم تستطع أنْ تقدم أعمالاً وحلولاً خارقة، ولا هي قادرة على صنع المعجزات التي بقيت حكراً على الأنبياء، غير أنَّ ما تتضمنه من معلومات وحوارات، وقضايا اجتماعية حياتية ونواحٍ فكرية تثير العقل.. كل ذلك من شأنه أنْ يلهم القارئ.. يحفزه.. يعزز ثقته بنفسه.. وتطرح أمامه حلولاً لمشكلات ومواقف تشابه في جانب منها تلك التي عانى منها يوماً..
ولو اقتصر الأمر على ما كانت تحكيه جداتنا وأمهاتنا من قصص، لكفانا دليلاً على الأهمية الكبيرة لكل ما يخاطب العقل والروح، كم مرات استغرقنا في نوم هانئ؟!. استحضرنا أحلاماً جميلة.. مسحنا دموعنا بعد حكاية لطيفة رويت على مسامعنا.. وكم كثيراً هربنا من تعب الحياة.. من الدراسة.. من الأهل والأصدقاء.. ولجأنا إلى قراءة كتاب.. نضمه كحبيب ويبوح لنا بشجونه كأعز الأصدقاء..
«توفر الكتب شكلاً من أشكال الهروب أكثر من أي عمل فني آخر« هذا ما تؤكده إيلا بيرثود خبيرة العلاج بالكتابة لموقع بي بي سي، وتضيف «بأنك ترى الصورة جاهزة عندما تشاهد فيلماً أو برنامجاً تلفزيونياً، بينما الرواية تجعلك تختلق بنفسك المشاهد، لذا فهي أكثر تأثيراً لأنك مشارك فيها«..
نعم.. القراءة هواية ممتعة للبعض يمارسونها خلال أوقات الفراغ، وإذا ما امتلأ الوقت بالأشغال يُركن الكتاب على أحد رفوف المكتبة وينسى كأنه لم يكن.. تلك الحالة فيها انتقاص من أهمية الكتب، بجعله ترفيهاً لا طائل منه.. فلا يجوز النظر إليها من هذه الزاوية فقط، فالقراءة تسهم بشكل كبير وفاعل في الصحة العقلية للإنسان، تماماً مثل الرياضة البدينة والغذاء الصحي في تأثيرهما على الجسد وصحته، بالقراءة يمكن تقوية العقل، وتساعد على الاسترخاء، تخفض مستويات التوتر، كما أنها تجعلنا أكثر تعاطفاً مع الآخرين، فضلاً عن أنها تساعد في إبعاد خطر التدهور العقلي مع التقدم في السن، وبالتالي تقي من الخرف.. وتحسن الذاكرة والتركيز.. لذا عليها بالكتاب خير جليس وأنيس.
«يجب أنْ تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، أقرؤوا من أجل متعتكم ولأجل أنْ تسعدوا« تلك نصيحة خورخي بورخيس.. فلنأخذ بها.. فالكتب فرصتنا لاختبار مشاعر جديدة، والتعرف على أشخاص جدد.. ربما نتمكن من خلاها العثور على بعض من إنسانيتنا..