زينب تحسين
لم تكن ثورة الحسين {عليه السلام} حدثاً تاريخياً عابراً، وإنْ أصرَّ البعضُ على إهمالها أو النيل منها في خضم الصراعات والخلافات السياسيَّة التي ألحقت الضرر الكبير في بنية الرسالة السمحاء وأفرغتها من محتواها الحقيقي في رفض العبوديَّة والاستغلال وإبقاء الأمور تحت تصرف الحاكم الجائر الذي انحرف كثيراً عن مبادئ الدين الإسلامي وأوغل في طغيانه وكراهيته، فهذه الثورة اتسمت منذ انطلاقتها بوضوح أهدافها السامية ومضامينها العظيمة للخلاص من الظلم والتعسف، فكانت ثورة إصلاح في المعنى والتوصيف المنصف.
يستذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مطلع شهر محرم الحرام من كل عام بفخرٍ واعتزازٍ مع شحنات كبيرة من الحزن الكثيف على استشهاد سبط رسول الله {ص} أبي الأحرار الحسين {ع}، إذ تتوشح المدن والأمصار بالسواد حداداً على مقتله مع آل بيت النبوة وصحبه الغر الميامين في معركة الطف الأليمة التي لم تكن متكافئة لا من حيث العدد ولا من الحديد، لكنَّ ثورة الإصلاح انتصرت وأصبحت في ما بعد رمزاً للثوار في انتزاع الحقوق من سالبيها من دون وجه حق.
وبغية إحياء الذكرى المؤلمة تتنوع وتستمر إقامة الشعائر الحسينيَّة وتشهد المراسم استقطاباً واسعاً للجمهور الحسيني الذي يقطع مسافات كبيرة تصل الى الآلاف من الكيلومترات تلك المسافة التي لم تمنع محبي الحسين {ع} من ممارسة شعائرهم الحسينيَّة لتؤكد أمام مرقده الشريف بطولته ومن معه في
القتال.
تلك البطولات حيرت الألباب وأذهلت العقول والمعركة التي ما زالت حتى يومنا هذا يتردد صداها في كل عام أصبحت تفاصيلها ونتائجها تشكل قيمة روحانيَّة ذات معانٍ كبيرة لمحبي الحسين الذين يعدون معركة الطف ثورة سياسيَّة ضد الظلم وعاملاً مركزياً في بلورة ثقافة إنسانيَّة عظيمة، والجمهور المؤمن يصرُّ على سمو الرسالة المحمديَّة في دلالاتها ومحمولاتها العقائديَّة الصادقة والإيمان المطلق بالإصلاح وإحلال الحق بدلاً من الظلم.
إذ قدم الإمام عليه السلام حياته لتثبيت دعائم الدين وترسيخ مفهوم الإيمان الحقيقي وشرع الموت من أجل الحياة، واستشهاده في سبيل الحق هو رمزٌ لنضال الإنسان ووقوفه بوجه الباطل؛ لأنَّه الفذ والمصلح الكبير موقناً بعدالة قضيته الانتصار والخلود والى جانب هذا المدلول العام لشخصية الحسين بقاؤه رمزاً الى الأبد.