جريمة الإتجار بالبشر تزداد ضراوة مع الأزمات

ريبورتاج 2021/08/14
...

   بدور العامري 
لا شك أن الجرائم تتغذى على الازمات السياسية والاقتصادية التي تعصف باي بقعة من العالم، نتيجة لما تفرزه من فقر وجوع وجهل مع ضعف تطبيق القانون والاخلال بالأمن، ومن اكثر الجرائم وأوسعها انتشارا هي جريمة الاتجار بالبشر.
تأثير الجائحة
من الطبيعي أن تضيف جائحة كورونا مناخا مناسبا لانتعاش الجريمة بوصفها من ازمات مفاصل الحياة لمختلف دول العالم، هذا ما أكدته آخر التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، كاشفة عن أن ثلث ضحايا الاتجار بالبشر هم من الأطفال وان نحو (124) مليون شخص سقطوا ببراثن الفقر بسبب جائحة كورونا، اذ استغل المتاجرون بالبشر الازمة العالمية التي رافقت الجائحة وفقدان معظم الافراد من محدودي الدخل لمصادر دخلهم نتيجة لتوقف اغلب المشاريع عن العمل، ما دفع بالكثير من الفئات المتضررة والمتمثلة بالنساء والأطفال وحتى الشباب لان يكونوا عرضة للاستغلال والمتاجرة بهم، ومن جهة أخرى فان ظروف الاغلاق والتقييد التي فرضت على جهود مكافحة الاتجار بالبشر في مختلف دول العالم وتوجيه الانفاق المالي على الجانب الصحي، عملت على تمادي المجرمين في استغلال ضحاياهم لاطول فترة ممكنة.
 
الابتزاز الالكتروني
مفوضية حقوق الانسان في العراق كشفت عن أن انتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة بصورة مسيئة اسهم في ارتفاع معدلات جرائم الاتجار بالبشر، اذ قال رئيس المفوضية الدكتور عقيل جاسم المنصوري في تصريح سابق لـ {الصباح}: {تم رصد زيادة في وتيرة جريمة الابتزاز الالكتروني في الآونة الأخيرة نتيجة لاستغلال الفئات الفقيرة والمهمشة عبر مواقع التواصل الاجتماعي}، مبينا أن هؤلاء المجرمين استغلوا تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد من جهة وزيادة الوقت الذي يقضيه كل من البالغين والأطفال على الانترنت من جهة أخرى، إضافة الى تدني مستوى الوعي الثقافي لدى هذه الفئات ما جعلها فريسة سهلة للمتاجرين على الشبكة العنكبوتية، سواء كانوا افراداً او جماعات، مؤكداً أن انتشار جريمة الابتزاز الالكتروني ساعد في ظهور وانتعاش أنواع أخرى من جرائم الاتجار بالبشر مثل الاستغلال الجنسي والسخرة والمتاجرة بالأعضاء البشرية، في الوقت الذي ثمن فيه المنصوري التعاون المثمر الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المختصة في البلاد واعتماد تقارير الرصد التي تعدها المفوضية بصورة مستمرة.
 
الفكر المتطرف
بينما يرى الباحث في الشأن الايزيدي خلدون سالم النيساني أن النزاعات والصراعات السياسية والمذهبية توفر بيئة مناسبة لظهور مجموعات وحركات تتبنى فكرا متشددا مبنياً على عدم تقبل الآخر وثقافته، ومحاولة محوه وازالته من الوجود كما هو حال عصابات داعش الإرهابية التي تحمل فكرا متطرفا لا يعرف سوى لغة العنف والقتل من دون مراعاة لابسط قواعد حقوق الانسان والحريات الأساسية في تعامله مع الاخر المختلف معه دينيا ومذهبيا، اذ يقول {في الثالث من آب عام 2014 كانت مدينة سنجار وتوابعها بسكانها الايزيديين على موعد مع القدر المشؤوم، اذ ارتكبت العصابات الهمجية ابشع الجرائم ضد السكان العزل، ولم تكن الجريمة الاولى التي يتعرض لها الايزيديون، اذ حملت ذاكرتهم 74 ابادة جماعية على طول التاريخ بحسب ادبيات الطائفة الايزيدية، بينما كانت جرائم داعش الإرهابية الأكثر مأساوية}. 
ويتابع خلدون النيساني وصفه لبشاعة جرائم داعش التي مارست الاتجار بالبشر تجاه النساء والأطفال على وجه الخصوص اذ يقول {من اكثر الصور قسوة في تلك الفترة هي خطف النساء بالقوة امام اعين اهاليهن وجميع السكان وبعد ساعات قليلة تم اخذ آلاف النساء والفتيات والأطفال بعد أن تناثرت جثث عشرات الرجال ممن اعدموا بشكل عشوائي بسبب محاولتهم انقاذ بناتهم واطفالهم من السبي. 
 
الآثار النفسيَّة والسلوكيَّة
 تعد الآثار النفسية الناتجة عن الاتجار بالبشر من الأمور المعقدة، اذ اكثر ما يشعر به الضحايا هو الخزي والعار وتدني مستوى تقدير الذات، كما ان بعضهم يرى في ممارسة العمل غير الأخلاقي السبيل الوحيد للتخلص من الفقر، وكثيرا ممن عانوا من الاضطرابات النفسية وجدوا انفسهم في عزلة ولديهم رغبة في الانتقام وسهولة تحولهم الى مجرمين، المختص النفسي والسلوكي الدكتور احمد عباس الذهبي بين التأثير النفسي لاستغلال الأطفال قائلا {تعد ظاهرة استغلال الأطفال من ابشع الممارسات التي ترتكب بحق الطفولة مثل العمل القسري والتسول او الاستغلال الجنسي او أي تصرف يتعلق بنقل او إيواء او استقبال الأطفال بهدف استغلالهم، اذ تنتج مشكلات نفسية وسلوكية تؤثر في حياة الأطفال الذين يتم بيعهم والمتاجرة بهم وبالتالي يتحول الضحية الى شخص عدواني ذي شخصية مضادة للمجتمع، إضافة الى انعكاس هذه الاضطرابات على جميع جوانب حياته الشخصية لأنه بالأساس غير مستقر ولديه انحرافات سايكولوجية ويتمنى تدمير كل من حوله}، ويشبه الدكتور احمد عباس شخصية الطفل الضحية في حال عدم معالجتها بأنها عبارة عن قنبلة موقوتة جاهزة لتدمير المجتمع بعد أن حولته قساوة الظروف التي عانى منها الى شخص معاق نفسيا وفكريا واخلاقيا.
 
تشريعات
تبنت منظمة الأمم المتحدة عددا من الاتفاقيات والبروتوكولات التي ضمت مواثيق دولية الزمت الدول الأطراف بتنفيذها، وتعرضها للمساءلة القانونية والأخلاقية في حال عدم الالتزام بها.
ومن جانبه حرص العراق على إيجاد قانون خاص يحتوي على مواد تشريعية وقانونية تهدف الى مكافحة جريمة الاتجار بالبشر والحد من انتشارها وآثارها ومعاقبة مرتكبي هذا الفعل الخطير الذي يهين الكرامة الإنسانية، فضلا عن وضع الآليات التي تكفل مساعدة الضحايا والتي تمثلت بقانون رقم( 28) لسنة ( 2012) اذ يفصل الخبير القانوني ناصر عمران الموسوي اهم فقرات هذا القانون قائلا {تضمنت المادة الأولى من القانون التعريف بجريمة الاتجار بالبشر وتصنيفاتها، بينما احتلت الجوانب التنظيمية والعقابية حيزا كبيرا وشرحا وافيا من بنود القانون البالغة 14 فقرة، اذ تم تحديد العقوبات ما بين السجن والغرامات المالية على الجاني، وتصل العقوبة الى حد الإعدام في حال أدى فعل الجريمة الى موت المجني عليه، ويقول الخبير القانوني الموسوي في اطار توصيف قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي {ان المشرع العراقي دفع رؤاه التشريعية الى تكاملية في المواءمة بين الإجراءات الوقائية والتنظيمية والعلاجية مع النص العقابي وهي رؤية تتسق مع الدراسات الحديثة حول علم الجريمة وعالم الضحية}.
 
حملة القلب الأزرق
إن تحديد أيام خاصة بالمناسبة للتعريف بها وتخصيص شعار او وسم معين يتناسب مع الظروف المستجدة في كل عام يعدان من أساليب التوعية والتثقيف حول هذه المناسبات، لهذا عملت منظمة الأمم المتحدة خلال الفترة الأخيرة على اتباع نهج اكثر فاعلية بحسب رؤى واستنتاجات المنظمة بالاعتماد على التقارير التي تقدمها مكاتبها في مختلف دول العالم، والذي يركز على الضحايا في مكافحة الاتجار بالبشر، اذ أعلنت ان برنامج العام الحالي سيسلط الضوء على أهمية الاستماع الى الناجين من الاتجار بالبشر والتعلم منهم بوصفهم اطرافا فاعلة في مكافحة الجريمة لما يضطلعون به من دور حاسم في وضع تدابير فعالة لمنع الجريمة وتحديد الضحايا وانقاذهم ودعمهم اثناء عملية إعادة تأهيلهم، اذ تضمنت حملة هذا العام شعار (أصوات الضحايا تقود الطريق) إضافة الى وسم (القلب الأزرق) الذي يرمز الى حزن من اتجر بهم وللتذكير بوحشية من يتاجرون بالبشر بيعاً وشراء. 
 
معالجات وتأهيل
وتابع الخبير القانوني ناصر عمران الموسوي حديثه حول الإجراءات العلاجية والتعويضية التي وضعها قانون مكافحة الاتجار بالبشر من العراقيين والأجانب، الذي الزم دوائر الدولة المعنية بمساعدة الضحايا مع مراعاة الاحتياجات الخاصة للأطفال مثل تقديم الدعم الصحي والارشادي لهم وتوفير الحماية للشهود وتقديم المشورة القانونية واللغوية للأجانب والعمل على الحفاظ على سرية المعلومات المتعلقة بالضحايا واحترام خصوصياتهم وصون كرامتهم، إضافة الى تقديم المساعدة المالية لهم وتوفير سكن مؤقت بشكل يتلاءم مع جنسهم وفئاتهم العمرية، فضلا عن تأهيلهم من النواحي الاجتماعية والنفسية والبدنية عن طريق انشاء مراكز إيواء وتأهيل متخصصة وتوفير البرامج الخاصة بدمجهم بالمجتمع، وتماشيا مع اهداف قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي، دعا رئيس مفوضية حقوق الانسان في العراق عقيل جاسم الى ضرورة مضاعفة الجهود وتكاتف الجهات المعنية باجراءات مكافحة الاتجار بالبشر واشراك جميع الأطراف ذات العلاقة الأخرى، مثل منظمات المجتمع المدني ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمؤسسات التربوية والدينية، بالتوعية والتثقيف حول هذه الجرائم الدخيلة على المجتمع العراقي.