ميادة سفر
يعدُّ الأدب واحداً من متعلقات الحياة الثقافيَّة مرآة للمجتمعات وحياة الشعوب، تنعكس من خلالها الأحداث والحيوات التي يعيشها إنسانٌ في بلدٍ ما، يعبر عن مكنونات النفس الإنسانيَّة ومتغيرات الحياة فيها، تلك التي تمس الإنسان مباشرة في كل تفاصيله وأموره ومشكلاته، أفراحه وأحزانه، عاداته وتقاليده، لذلك وجد الأدب ليحكي قصص الشعوب، فكان أنْ ظهرت الأعمال الأدبيَّة من رواية وقصة وشعر ومسرح وحكايا شعبيَّة، لتعكس الواقع الإنساني الذي يحياه الإنسان في كل الفترات والأحوال والظروف، في الأزمات والأوبئة، في ظل الاحتلال والتحرر، الحرب والسلم، في الفقر والرخاء، فكان معبراً عن كل تناقضات الحياة البشريَّة.
ولأنَّ الأدب كذلك، وللأهمية العظيمة التي يملكها، كان لافتاً وليس مستغرباً العودة للروايات التي تحكي عن أفغانستان بعد الأحداث التي طرأت على تلك البلاد في الأيام القليلة الماضية، وعودة حركة طالبان لتسيطر على البلاد والعباد في تلك البلاد الجميلة بعد خروج القوات الأميركيَّة منها، تسابق القراء لقراءة آداب خطتها أصابع أفغانيَّة تحكي تاريح وحياة سكانٍ عايشوا المآسي والحروب، أوجاع الموت والفراق، آلام الحب والتضحية، ظلم الحكام والاحتلالات المتعاقبة ومعاناتهم الحياتية الاجتماعية والاقتصادية في ظلها، من خالد الحسيني صاحب «عداء الطائرة الورقيَّة» و»رددت الجبال الصدى» و»ألف شمس مشرقة»، إلى عتيق رحيمي صاحب «حجر الصبر» و»ملعون دستويفسكي» إلى غيرهما من كتاب خرجوا من تلك الأرض، من رحم الأوجاع ليحكوا عنها، فكان أنْ تمكن القارئ من الاطلاع على تاريخ بلاد أنهكتها المآسي ولكنْ من وجهة نظر أدبيَّة وبتفاصيل حياة سكانها التي لطالما كنا نجهلها، وسيعود القراء إلى آداب شعوب أخرى كلما ألمَّتْ بها مصيبة، أو حدث فيها حادث ما. ما السرّ في الأدب؟! الذي يشدنا إليه ويجذبنا نحوه نلتهم من مخزونه، نستمتع بقصصه، نتألم مع شخصياته، والأهم ربما أننا نتعرف من خلاله على شعوبٍ أخرى، ومجتمعات بعيدة، لولا الأدب الروسي وكبار الكتاب الذين أتحفونا بآلاف الصفحات ما كنا لنعرف إلا القليل عن تلك البلاد الباردة، والأمر كذلك عن أدب أميركا اللاتينيَّة والانكليزي والفرنسي، وحتى بلادنا العربيَّة التي نجهل كثيراً من حياة شعوبها وتفاصيلهم اليوميَّة ومشكلاتهم، ليأتي الأدب من رواية وقصة ليضيء لنا شموعاً ويلقي أضواءً على تلك الزوايا الخفيَّة من حياة شعبٍ ما، ويحدثنا عن شؤونهم وشجونهم. يقدم الأدب بمختلف أشكاله نماذج مختلفة ومتنوعة من التفكير، لذلك فهو فرصة للتعلم والتعليم والتعرف على عوالم أخرى، يتنور من خلاله عقل القارئ وفكره، فضلاً عن المتعة الكبيرة بل العظيمة التي تغني حياته روحياً ومعرفياً، كم كانت أعمال العظيم تولتسوي مرشداً للمثل والقيم الإنسانيَّة، وكم أنقذنا دستويفسكي وهو يغوصُ بنا في أعماق النفس البشريَّة، أسماء كثيرة أغنت التاريخ الإنساني وكانت مرآة حية لماضي وحاضر ومستقبل الشعوب على هذي الأرض. لا بُدّ للأدب أنْ يكون على قدر المسؤولية تجاه الشعوب، مواكباً لكل التطورات الاجتماعيَّة التي تحدث في المجتمع، ومن واجب الكاتب روائياً كان أم قاصاً أم شاعراً أم غير ذلك أنْ يكون صادقاً مع نفسه أولاً ومع القارئ ثانياً، مؤمناً بما يكتب وما يرغب إيصاله للمتلقي، فلا يمكن أنْ تناقش قضية تحرر المرأة، وترفض في كتبك ما تتعرض له من قتل وقمع وترهيب وأنت تفكر وتعيش وفق عقلية القرون القديمة، وترفض إعطاءها أقل حق من حقوقها، وقس على ذلك موضوعات كثيرة.
على الأدب أنْ يكون مسؤولاً أمام المجتمع ليصير جزءاً من كينونته ومكوناً أساسياً يبنى عليه، وصوتاً من أصوات أبنائه المنادية بحقوقه والمطالبة بتحرره، ليكون بذلك منقذاً وطوق نجاة نتمسك به حين تشدنا أوحال العادات والتقاليد والأفكار البالية.