باغي شار مكان يجمع المتقاعدين وسط أربيل

ريبورتاج 2021/09/02
...

  خـالد ابراهيم 
حديقة المدينة باغي شار والتي تقع في مركز مدينة اربيل، بالقرب من قلعة اربيل، وبجانب سوق القيصرية، تعد مكاناً لتجمع المتقاعدين وكبار السن، وتحتوي على باحة وحديقة كبيرة، اذ تعد متنفساً ومكاناً جميلاً يرتاده المتقاعدون، الشريحة المهمة في المجتمع والتقت «الصباح» بالسيد محسن محمد غريب وهو رئيس مركز المتقاعدين في باغي شار والذي تحدث قائلاً: بالنسبة لباغي شار تم تأسيسها لاول مرة عام 1937م، وكانت المدينة لا تمتلك الاشجار والحدائق آنذاك، وقد اقترح رجل يدعى خليل افندي وهو من اهالي اربيل هذه الفكرة على المحافظ فتح الحديقة لتكون متنفساً للاسر في اربيل، وحينها قرر المحافظ انشاء بارك، اذ كان مكان هذه الحديقة حينئذ عبارة عن مقبرة. 
 
هذه الحديقة باسم خليل افندي حتى عام 1957م الى أن توفى هذا الشخص، وبقي هذا المكان ليكون نادي المعلمين وحتى عام 1971م وظل هذا المكان حديقة عامة حتى عام 2009م، وبعدها اقترح عدد من المتقاعدين انشاء هذا المكان ليكون مخصصاً
للمتقاعدين.
 اذ قدم المقترح الى محافظ اربيل حينها السيد نوزاد هادي، فكان المقترح لتخصيص هذا المكان فقط لشريحة المتقاعدين وكبار السن، كون المقاهي والكافتريات لا تتناسب مع المتقاعدين وهم باعمار كبيرة، وبعد موافقة السيد المحافظ اصبح هذا المكان مركزاً لتجمع المتقاعدين منذ 22 /8 /2009 ، وتم تخصيص هذا المكان ليصبح مكاناً لهم في اربيل وحتى خارج اربيل، وكل من هم من ضمن شريحة المتقاعدين، اذ يتجمعون هنا، فالمركز يفتح ابوابه منذ الساعة 7:30 صباحا حتى الساعة 7:30 مساء، ولكل متقاعد هوية نقوم باصدارها سنوياً، ودائماً المحافظون متعاونون معنا جدا لتوفير كل الخدمات في هذا
 المركز.
 
شخصيات في المجتمع
المتقاعدون كما تعلمون هم من كل فئات المجتمع، فلدينا متقاعدون برلمانيون من برلمان اقليم كردستان، ومتقاعدون وزراء، ومتقاعدون تربويون، وحتى متقاعدي عمال البلدية، ونحن ليس لدينا اي فرق، فكلهم متقاعدون خدموا المحافظة، فكل من يحمل هوية المتقاعد له الحق في الدخول الى المركز، ونحن هنا لتقديم الخدمات لهم ومساعدتهم بكل ما نستطيع.
 
تقديم خدمات
دائماً نتعاون مع كل المؤسسات ولا سيما المنظمات الخيرية، اذ تقدم سلات غذائية او اي شيء آخر، ونحن بدورنا نقوم بتوزيعها بين المتقاعدين، وكذلك الادوية والعلاجات نقوم بتوزيعها
لهم.
 
عرفان وامتنان
 دائماً ما يزورنا المسؤولون والوزراء، ويقدمون لنا الدعم والمساعدة، ويؤكدون لنا باننا لنا الحق عليهم، و قدمنا خلاصة تجاربنا العلمية للمجتمع.
 
الملتقيات والمهرجانات
في السنوات الماضية كنا نقيم ندوات وملتقيات ومهرجانات للشعراء والرياضيين والفنانين، فكان اسبوعياً لدينا ندوة ثقافية، ونستضيف فيها فنانا او مثقفا او وزيرا او برلمانيا، ويحظر هنا ويتحدث عن تجربته وما قدمه في حياته، وكانت تتخلل هذه الندوات النقاشات وتبادل الافكار والرؤى وطرح الاسئلة، وايضا كنا نقوم بتقديم كتب المؤلفين والشعراء، وهم بدورهم يقومون بتوزيع مؤلفاتهم بين شريحة المتقاعدين، والان ايضا وبالتزامن مع قرب ذكرى تأسيس مركز حديقة المتقاعدين. كنا نود تقديم مهرجان واقامة مخيم كشفي ونتحدث فيه، كيف كانت الكشافة في السنوات السابقة، وقد تحدثنا مع السيد المحافظ وذكر لي بأن  جائحة كورونا هي في اوج حالاتها، وحرصاً وخوفاً على صحة المتقاعدين، طلب تأجيل الموضوع او اذا ما قلت عدد الاصابات من الممكن اقامتها، وايضا من ضمن مشاريعنا اقامة تمثال لخليل افندي وهو مؤسس هذا المركز، وانا ذهبت الى اسرته، وقد التقيت باحفاده وجلبت هويته، وهي من ضمن مشاريعنا لاقامة تمثال له لانه كان السبب في وجود
المكان.
 
خطط وبرامج
 ولدينا العديد من المشاريع والخطط المستقبلية، ومن ضمنها اقامة مركز مشابه لهذا المركز يكون خاصا بالنساء المتقاعدات، فأنا يوميا كرئيس مركز المتقاعدين، تأتيني عشرات الطلبات والاتصالات لانشاء مركز خاص بالنساء، وقد تحدثت شخصيا مع المحافظ وابدى استعداده وترحيبه لاقامة هذا المشروع.
 
زوال كورونا
نتمنى من الباري عز وجل أن نتخلص من كورونا في اسرع وقت، اذ ان من ضمن مشاريعنا باذن الله أن نمدد ساعات فتح المركز، اذ نود أن تصل حتى الساعة 11:00 ليلاً، ويتسنى لاسر المتقاعدين الحضور والتنزه في هذه الحديقة، ونقوم بتوفير جو اسري للمتقاعدين هنا في المركز.
ونشكر جريدة «الصباح» لحضورها واللقاء بنا فانتم سباقون في تغطية نشاطات شريحة المتقاعدين. والتقينا بالاستاذ جوهر اسعد احمد وهو تربوي متقاعد وقد تحدث الينا عن هذا المركز قائلاً: هذا المكان جميل جداً، والمتقاعدون يتواجدون بشكل يومي في هذا المركز، صباحاً ومساءً، وهناك خدمات كبيرة تقدم في المركز، وهو عبارة عن متنفس رائع لشريحة المتقاعدين.
 
الأعوام السابقة
كانت سابقاً تقدم العديد من النشاطات في المركز، لا سيما في رمضان، اذ كانت تقدم امسيات رائعة جدا، والان وبسبب كورونا توقفت النشاطات والامسيات، ولكن عموما الخدمات المقدمة هنا هي جيدة
 جداً.
 
أحاديث الماضي
عندما يلتقي المتقاعدون هنا في المركز يتحدثون عن ما قدموه في الماضي، ويتم سرد تجاربهم، كلٌ في مجال عمله واختصاصه، ويتم الحديث عن ذكريات الماضي، وكان سابقاً هذا المكان هو نقابة المعلمين، وبعدها تحول الى متنفس مخصص للمتقاعدين، والذي يقع وسط مدينة اربيل، ويعد مكانا مميزا جداً. 
وبشأن الموضوع نفسه تحدثنا مع السيد احمد الزهاوي استاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة بجامعة صلاح الدين في اربيل والذي تحدث قائلاً: هذا المكان نادر وجميل، ولا تجد له مثيلا في المحافظات الاخرى، ويتواجد فيه المتقاعد وغير المتقاعد من كبار السن، اذ يجدون فيه جواً من الراحة والانسجام والتقاء الاصدقاء، اذ كان اغلب المتقاعدين قبل 40 او 50 سنة في قمة الاناقة والرقي والجمال، فقسم منهم يحمل صوره في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم كتذكار، وهم في ريعان شبابهم
 واناقتهم.
 
أجواء ثقافية
هنا تجد الاجواء الثقافية والتطرق الى المواضيع الاجتماعية والثقافية والتربوية، فتجد فيهم المثقفين ومن قرأ مئات الكتب، فأغلبهم يحملون خبرات متراكمة كبيرة، كل حسب اختصاصه، فمنهم من عمل مديرا عاما مثلاً، او وزيرا، او استاذا جامعيا، وانا الان ازور هذا المكان واغلب اساتذتي الذين درسوني خلال مرحلة المتوسطة التقي بهم اليوم كاصدقاء، وهؤلاء المتقاعدون كانوا قبل خمسين عاما في المقدمة، فكانوا يتنافسون بتقديم الخدمات للمواطنين
 والمجتمع.
 
الرقي في الأناقة
هؤلاء المتقاعدون اليوم كانوا سابقاً يتقاضون رواتب تتراوح ما بين 20 او 25 دينارا، وكانوا يظهرون بكامل اناقتهم وزيهم الرسمي، ففي كل شهر يرتدون قاطاً وزياً رسمياً جميلاً، ويظهرون بقمة الاناقة، وايضا كانوا مثقفين في كل الجوانب، فتجد احدهم متخصصاً في الشريعة مثلاً وهو بارع في اللغة الانكليزية، وكانوا دائماً يشجعون الطلبة على التثقف والقراءة ونهل علوم
 المعرفة.
 
توجيهات تربوية
كانوا دائماً يوجهون الطلبة الى التزود بالعلم، والتحلي بالاخلاق، والذين التزموا باحاديثهم، تجدهم اصبحوا في المقدمة، ودائماً انا اتحدث مع اصدقائي واقول من الذي اوصلنا الى ما نحن فيه اليوم، فأنا اصبحت استاذا جامعيا، بسبب الاساس المتين، اذ اننا تتلمذنا على ايدي كبار المعلمين والمدرسين، فقد قدموا لنا عصارة جهدهم، فكانوا حريصين على الطلبة كحرصهم على ابنائهم في البيت، وسابقاً تجد الذي لم يحصل على شهادة متقدمة مثلا، اصبح ضابطا او رياضياً او شخصية مرموقة، ولا بد له أن يأخذ مكانا في المجتمع، وانا اطلق عليهم جيل الطيبين او جيل الابويين. 
لدينا هنا العديد من الشخصيات المهمة والمرموقة في المجتمع، فمثلاً لدي هنا صديق اسمه طلعت سامان وهو مؤلف ومخرج ومسرحي، وهو خريج جامعة بغداد وهو من ايام ابراهيم جلال وحقي الشبلي رواد العراق، وانا عندما التقي بهم هنا، اشعر باني ابن لهم، وهنا يلتقي كبار الشخصيات، فمثلاً هنا تجد اقدم صحفي في اربيل وهو عمر فرهادي، فنجد هنا شخصيات قد اضنت حياتها في تلقي العلم وبالتالي تقديمه للمجتمع، ولابد من عمل ارشيف خاص لكل واحد منهم هنا.
 
تجربة شخصية
تجربتي الشخصية هي عندما التقي بهذه الشريحة المهمة، واستلهم منهم الدروس والعبر، فهم كما يقال سراط مستقيم في كل نواحي العلم والمعرفة والثقافة الفنية، فكانوا يخدمون الفن ليس من اجل غاية، بل من اجل رفع المستوى الفني برمته، وتجد اغلب المتواجدين هنا ختموا اعظم الروايات والمجلدات ودواوين الشعر، وعندما تجلس معهم تدخل الى عالم آخر، غير العالم الشبابي الذي تتواجد فيها الموبايلات والاجهزة الحديثة، فالجلوس معهم يحمل نكهة وطعما خاصا، فعلا هم عبارة عن جواهر وكنوز ثمينة، وهم يعدون مرجعاً لنا جميعاً.