بغداد تشكو الإهمال وبيئتها طاردة للاستثمار النافع

ريبورتاج 2021/09/18
...

   فجر محمد
تصوير: علي الغرباوي
اذا ما قررت أن تقوم بجولة ليلية في شوارع بغداد وازقتها، فعلى الارجح لن يسرك المنظر الذي ستراه، اذ تغيب الاضاءة في اغلب تلك الطرقات، فضلا عن الشوارع التي تضم في ثناياها شقوقاً كبيرة وحفراً، وصولا الى النفايات التي تغزو الجزرات الوسطية في اغلب شوارع المدينة.
 
إهمال واضح
تسكن ام علي في احدى المناطق السكنية ببغداد منذ اكثر من اربعين عاما، وتشكو من الجزرات الوسطية المقابلة لمنزلها، فهي مليئة بالنفايات والاوساخ ومرتع للكلاب والقطط السائبة، وتقول ام علي بحسرة واضحة في صوتها: {كل يوم يزداد الامر سوءا، ويحتل الاهمال مساحات من شارعنا التجاري ولم يعد الامر يقتصر على المنظر الكريه للنفايات، بل يتعداه الى احتمالية انتشار الامراض من تلك المخلفات}.
ولان سيارات رفع النفايات تزور المنطقة بشكل نادر، لذلك يسعى اهالي المنطقة الى التخلص من نفاياتهم بطريقتهم الخاصة، ولا تخفي ام علي وجود بعض المحاولات الخجولة لتنظيف الشارع من قبل الجهات ذات العلاقة.
 
حفر عميقة
لم تعد الحفر والشقوق العميقة تغزو اطراف مدينة بغداد فقط، بل اصبحت تمتد الى شوارعها الرئيسة وطرقاتها الحيوية، فضلا عن الحواجز الحديدية التي من المفترض أن تمتد على طول مجسرات المدينة ولكنها غابت هي الاخرى، وعلى ما يبدو حتى ضريبة الطرق والجسور المفروضة على المواطن لم تجد نفعاً، ولم تحقق المطلوب.
 
ضريبة
هناك اجراء متبع في دائرة المرور يتم استحصال ضريبة طرق وجسور، ويشكو مواطنون من غلاء هذه الضريبة، وبالمقابل تغيب خدمات التبليط والصيانة للشوارع في الطرقات الداخلية والخارجية ايضا، وهذا يتسبب بحوادث كثيرة يذهب ضحيتها شهريا العديد من الضحايا، فعلى سبيل المثال يعمل ناجي عامر كسائق سيارة اجرة ويتنقل بين المحافظات، ويتذمر من واقع الشوارع والتخسفات والشقوق التي تملأها، ما يعرض الركاب الى مخاطر عديدة، ويروي ناجي كيف كان من الممكن أن يفقد حياته هو وبعض الاشخاص الذين كان يقلهم في يوم ساده الضباب، ويتحدث قائلا: {في احد ايام الشتاء الماضي، كنت احمل ركاباً معي وانتقل بهم من احد المحافظات وصولا الى بغداد، وكان الجو ممطرا ثم حل بعده الضباب وما زاد من صعوبة الامر هو الطرق المتهالكة التي كنت اقود سيارتي فيها، اذ كانت مليئة بالمطبات والحفر وهذا تطلب مني أن اسير بحذر، تلافيا لاي حادث من الممكن وقوعه}.
 
نفايات متراكمة
يسكن الحاج ابو ياسين قريبا من احد المجمعات الطبية، ولا يكاد يخلو شارعهم من المراجعين وسياراتهم، وليس هذا وحسب بل يقول ابو ياسين: {عندما ينتهي دوام العيادات في هذا المجمع القريب من داري، وعندما اخرج ليلا اتفاجأ بالنفايات المرمية هنا وهناك، اذ اجد كمامات طبية واغلفة ادوية وغيرها من النفايات التي من المعروف مخاطرها الكبيرة، فهي وسيلة لنقل الامراض والعدوى ومن المفترض أن يجري التخلص منها بشكل صحيح}.
الباحث والخبير بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي يبين بان تدوير النفايات واستثمارها امر ليس بالمستحيل، بل من الممكن القيام به والاستفادة من عشرات الاطنان التي تلقى في الشوارع وعلى الطرقات.
 
اقتصاد ريعي
يصف الباحث الدكتور ليث علي النفايات التي تحتل اجزاء كبيرة من العاصمة، بمثابة بئر نفطية ورافد اقتصادي مهم ولكنه مهمل، في حين من المفترض الاقتداء بدول العالم المتطورة التي تقوم بتدوير نفاياتها، فعلى سبيل المثال تستورد الصين نفايات من بريطانيا وتقوم بادخالها في مشاريع صناعية تنهض بالبلاد، فعوضا عن اهمالها وترك الحيوانات السائبة تعبث بها وتسبب مشكلات صحية للقاطنين بقربها يجري الانتفاع منها.
 
اكساء الشوارع
بعد أن جرت حملات اكساء لبعض شوارع وارصفة بغداد، حاولت {الصباح} تسليط الضوء على هذا العمل الذي تقوم به امانة بغداد، وبعد الاتصال بالمكتب الاعلامي تبين ان التصريحات الصحفية اصبحت حصرا بيد امين العاصمة، ولا يحق لاي طرف التحدث عن تلك الحملات سواه.
 
بنى تحتية متهالكة
لا يمكن أن توصف شوارع وبنى بغداد التحتية سوى بالمتهالكة وغير المؤهلة، وهذا الامر من وجهة نظر الباحث والخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان سبب مهم ورئيس في طرد الاستثمار وعدم توفير بيئة مناسبة له من القوانين وايضا البنى التحتية التي يحتاجها المستثمر، وبحسب انطوان فان العاصمة تعيش اليوم اسوأ حالاتها، بدءا بشوارعها القديمة والمهملة وصولا الى المباني القديمة والتجاوزات وغيرها من المظاهر المختلفة التي تطغى على بغداد.
اذ تسيطر المياه الآسنة والحفر على الكثير من الشوارع، كما يصفها انطوان، فضلا عن احتلال النفايات لمساحات كبيرة في مناطق تعد هي قلب العاصمة وكانت في قديم الزمان اماكن يقصدها السياح والمواطنون على حد سواء، ولكن في الوقت نفسه لا يخفي انطوان وجود عناصر متميزة في دوائر ومؤسسات الدولة تحاول أن تعيد بناء ما هدم.
 
عوامل جاذبة
لا يقتصر الاهمال على الطرقات والشوارع فحسب، بل يتعداه الى قطاع الكهرباء الذي يعاني منذ سنوات طويلة من التلكؤ، الاكاديمي والباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور فالح الزبيدي يشير الى وجود عوامل جاذبة وضرورية للمستثمر، ومنها أن تحتوي المدينة على طرق مؤمنة خالية من التخسفات، فضلا عن توفير طاقة كهربائية مستمرة لان المولدات الاهلية المنصوبة في الشوارع وبعض المنازل، غير قادرة على تشغيل مصانع ومعامل هدفها الانتاج والربح.
 
نافذة واحدة
ويلفت الاكاديمي الدكتور فالح الزبيدي الى أن العرقلة التي يعاني منها المستثمر واضطراره الى الحصول على اذونات وتراخيص من اكثر من مكان ومؤسسة حكومية هي السبب في تراجع قطاع الاستثمار، في حين من المفترض أن تكون هناك تسهيلات وجذب للمستثمر وان تخصص نافذة واحدة للحصول على التراخيص، ليبدأ عمله بكل سهولة وليس في العاصمة بغداد وحدها، بل في مختلف مدن البلاد.
 
قاعدة صناعية
الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي يبين ان المدن لا يمكن أن تنهض ومنها بغداد ما لم تكن هناك قاعدة صناعية رصينة، لانها الوحيدة القادرة على حل ازمة البطالة، وبالصناعة القوية والمتينة سيتغلب البلد على مشكلاته المتعددة، وبمقدوره الالتحاق بركب الدول المتقدمة، لكن الاهمال والبنى التحتية القديمة التي تعاني منها بغداد وبقية مدن البلاد، سيكونان عائقا كبيرا بوجه التطور والتقدم والبقاء في خانة البلدان النامية المتخلفة.
 
القطاع المصرفي
كي تنهض بمدينة ما وتطورها لابد أن تقدم تسهيلات للمستثمر، سواء كان محليا ام اجنبيا ومنها تحسين القطاع المصرفي، ومن وجهة نظر الباحث الدكتور ليث علي فان بناء المدن لاسيما بغداد، يحتاج الى عوامل استقطاب للمستثمرين وتحفيزهم وعوضا عن اتباع الاساليب التقليدية والقديمة في هذا القطاع، الاستعانة بكل ما هو جديد وحديث من اتمتة للمصارف وتقنيات متطورة، كما يحث الباحث على الابتعاد عن الاستثمارات الاستهلاكية والالتفات لتلك الطويلة الامد التي من الممكن أن تحقق نجاحات كبيرة.