«الكونترول»:أمن الدولة والامتحانات الوزاريَّة.. الوجه الآخر للشهادة العراقيَّة

ريبورتاج 2021/09/21
...

 علي غني
اعترف أن الكتابة عن الوجه الخفي للامتحانات الوزارية (الكونترول - مراكز الفحص)، امر في غاية الاهمية الان، ونحن ننظر للامتحانات، بانها اسئلة ودفاتر امتحانية، ومراقبون، وحذر شديد في وضع الاسئلة، وخوف من المجهول، وهو الشيء الذي يظهر أمام المتتبع لعمل الوزارة في وقت الامتحانات، لذا اخترت (الكونترول)، وهو المكان الذي تعلن منه نتائج الامتحانات الوزارية، حتى أطمئن الاسر العراقية، بأن كل الامور تجري بدقة محسوبة، وان ما يشاع عن تبديل اغلفة الدفاتر او الدرجات فيه الكثير من المبالغة، وهي اتهامات تصدر عن فئات معينة، فماذا يدور خلف كواليس الامتحانات؟ ولماذا كل هذه الاجراءات الصارمة؟ وماذا يدور بالضبط؟.
(الامتحانات امن الدولة) مقولة كنت اسمعها من ارفع المسؤولين في الشأن التربوي، وكنت اسأل بعضهم بفضول، ماذا تعني هذه المقولة؟، فأسمع الجواب من الجميع، انها تتعلق برصانة الشهادة العراقية، لذلك نحن من الدول العربية التي تهتم بوضع الاسئلة ضمن الضوابط الموضوعية، وتتخذ اجراءات صارمة لمنع تسربها، لانها تخص سمعة الشهادة العراقية، بل تتعدد الاجراءات الصارمة بشأنها. 
 
زخم كبير
غالبا ما يتهم الطلبة (فاحصي الدفاتر الامتحانية، المصححين)، بانهم (يتشددون) في تصحيح دفاترهم الامتحانية، وهذا (محمود) الطالب في الثالث المتوسط يقول كنت اعتقد ان درجتي في الرياضيات تفوق الثمانين بالمئة، لكني فوجئت بالنتيجة فاذا هي (60 %)، فشعرت بغبن كبير، ولم اصدق رغم اعتراضي على الدرجة، لكنها بقيت على حالها.
بينما يرى المدرس خليل ابراهيم اختصاص رياضيات، ان المصحح (فاحص الدفاتر الامتحانية)، يمكن أن يعاني من التعب في استمرارية التصحيح، والزخم الكبير من الاسئلة الامتحانية المكلف بتصحيحها ما يقوده الى التقصير احيانا، لكن الاغلبية من المدرسين يحكمون ضمائرهم قبل التصحيح، لذلك يرى كل مدرس ان الممتحن هو ابنه، واقول لك حقيقة، انه رغم الظروف الصعبة وجائحة كورونا، فان الهيئات التدريسية تبذل قصارى جهدها لكي تكون النتائج مرضية، وغالبا ما تكون من جانب الطالب، وهذا يحسب للوزارة.
في حين ترى المدرسة يسرى شنشول، وهي ام لطالب في الثالث المتوسط، ان الاسئلة يجب أن تراعي ظروف الطلبة، لاسيما ان بعضها كان اعلى من مستوى الطالب، ونصف التدريس كان الكترونيا، اضف الى شراسة الجائحة، لذلك فعلى المصحح (فاحص الدفاتر الامتحانية)، أن يضع في حسابه الجانب الانساني، ولا يلجأ للتشدد، وانما عليه أن يعادل بين حسابات العلم وحسابات الجوانب الانسانية.
وبين لنا مدير الاشراف الاختصاص في تربية الكرخ الثانية الاستاذ عبود الكعبي: ان الوزارة تختار الفاحصين من المدرسين الذي لهم باع طويل في تدريس اختصاصهم، ومضى عليهم مدة طويلة في التدريس، لاسيما في المراحل المنتهية (الصفين الثالث المتوسط والسادس الاعدادي)، ولا اخفيك سرا وهؤلاء يخضعون للاختيار ايضا من مراكز الفحص، وهم مؤتمنون على الدفاتر الامتحانية، ويصححون وفق اجوبة نموذجية معدة سلفا، والدرجات موزعة على الاسئلة بطريقة عادلة ودقيقة، والفاحص بتعريف دقيق هو مؤتمن على حقوق الطلبة ولا يتأثر بالاجواء مهما كانت، لذا نحن نقترح أن تبنى مراكز فحص انموذجية على مستوى العراق تتوافر فيها الخدمات جميعها.
ويقول الطالب جاسم محمدي - السادس الاعدادي الفرع الاحيائي، اتمنى من الفاحصين (المصححين) الذين يصححون دفاترنا الامتحانية الا يكونوا على عجالة من امرهم حتى لا نتعرض الى غبن بسبب سرعة فحص الدفاتر الامتحانية الوزارية، لا سيما ان مستقبلنا يتوقف على المصحح. ويرى بعض المختصين التربويين (المتقاعدين) ان بعض المصححين ليست لهم دراية دقيقة بالمادة او التزامهم التام (الصنمي) بالاجوبة الانموذجية، وهذه الامور كانت تحدث بالاوقات الطبيعية، فكيف ستكون في زمن (كورونا)، واغلب الطلبة تتلمذوا على يد الملازم المدرسية، والفيديوهات، واساتذة التلفاز التربوي، واعتمدوا على انفسهم في فهم المادة،  فالمطلوب من الفاحصين (المصححين) في زمن (كورونا) أن يكونوا في قمة الانسانية.
 
وسائل الراحة
هناك جنود في الامتحانات يواصلون الليل بالنهار، لكي يوفروا للطلبة كل وسائل الراحة، ذكر لي هذه المعلومة مدير امتحانات الكرخ الثانية، الاستاذ عبد الكاظم عبد علي الذي يرى ان التربوي يجب ان يكون انسانا قبل اي شيء، لاسيما ان الممتحنين هم اولادنا، لذلك نحرص أن ندقق كل شيء ونتابع كل شيء ونراقب كل شيء، ونوفر الدفاتر والمستلزمات الامتحانية، وكل شيء يخص الطلبة والامتحانات، انا واللجنة الفرعية الخاصة بالامتحانات في مديريتنا، وفي مقدمتها المدير العام للتربية الدكتور قيس الكلابي، وكأننا في معركة، وفعلا لدينا (غرفة عمليات)، تجيب عن أي سؤال يخص الامتحانات الوزارية ضمن قاطع عملياتنا (مصطلح عسكري) يذكرنا بالخدمة العسكرية أيام زمان.
 
ترحيب ولكن؟
بعد أن استطلعنا آراء المشرفين والمدرسين والطلبة واولياء الامور ومن أجل أن يعرف الطلبة واسرهم، حين يسلم اولادهم دفاترهم الامتحانية الى المراقبين، وهم يحملونهم امانة كبيرة، فيقبل المراقبون بهذه الامانة الثقيلة بكل رحابة صدر، ذهبنا الى وزارة التربية على امل الدخول الى (الكونترول) لفك العديد من الالغاز وتسليط الضوء على هذا المرفق المهم، لكننا لم نستطع الدخول له، على الرغم من الترحيب الكبير من قبل مدير العلاقات والاعلام في وزارة التربية الدكتور هيثم العزاوي، والرجل ارسلنا الى المشرف على كونترول الرصافة الاستاذ عبد الامير الذي استقبلنا بمودة لكن، (اسف جدا) لان الامر ليس بيده، وانما بامر اللجنة الدائمة للامتحانات، والحقيقة اراد أن يسهل امري، فاتصل بالمدير العام للتقويم والامتحانات الاستاذ شاكر عبد عون نائب رئيس اللجنة الدائمة للامتحانات، الذي على الرغم من معرفتنا (لخبرته الطويلة وحرصه)، الا انه اخبر استاذ عبد الامير بعدم السماح لنا بدخول الكونترول، مع انه من اعضاء اللجنة الدائمة، فاضطررت الى الاستعانة بذوي الخبرة من العاملين بالكونترول سابقا  فكان لي ذلك. 
 
كيس في داخل كيس
تصدى للحديث عن الاجراءات الدقيقة للكونترول المشرف الاداري في تربية الكرخ الثانية الاستاذ فيصل مدلول الذي شغل منصب معاون في الكونترول سابقا والذي تم ابعاده بشكل (ربما فيه شيء من التسرع)، لكنه كان يشيد بالاجراءات الرصينة التي تتبعها الوزارة في الامتحانات الوزارية (صفة جيدة للموظف المخلص والمهني)، وغالبا ما يحظى بمتابعة الوزراء، ومنهم (الاستاذ علي حميد الدليمي وزير التربية الحالي) وهو يقول: تتم عمليات الفحص والتدقيق في داخل مراكز الفحص والتدقيق، وفق آلية تشمل تسع عشرة خطوة أو أكثر، اذ تبدأ من تسلم الدفاتر بوساطة البريد من قبل (رجال لا يجاملون احدا) ثم تتسلمها لجان مختصة اخرى بشكل (ذمة)، تأملوا وهو كلام (للمشككين)، ثم بعد ذلك يقوم اعضاء اللجان بفتح الاكياس الخاصة بكل مركز امتحاني، اذ يتم اخراج محتويات كل من الاكياس (المغلفات).
 
أرقام مشفرة
ويتابع (الاستاذ فيصل)، ثم بعد ذلك تبدأ عملية العد والفرز مع اعطاء تلك الرزم ارقاما مشفرة وحروفا مميزة لكل مادة، وبعد ذلك تهيئة الرزم الامتحانية بواقع (50) دفترا لكل رزمة، وترسل الرزم تباعا الى اعضاء المركز المتواجدين على مقربة من المفتاح لتسهيل العمل، وهم بمعدل
(5 أعضاء)، ويتم لصق الدفاتر الامتحانية وحجب الاسماء ومعلومات الطلبة بنحو كامل، ثم تدخل الى الدواليب الخاصة بكل مادة، من أجل ارسالها لاحقا الى أعضاء لجنة الفحص والتدقيق، وبشكل ذمة، وفقا لارقام وجداول خاصة لكل لجنة مشاركة في الفحص والتدقيق، وحسب المواد الدراسية ثم تعاد هذه الرزم بعد انتهاء لجان الفحص والتدقيق من عملها الى مسؤولي الباب (بطريقة العد للتأكد من عدم ضياع هذه الدفاتر أو تلفها اثناء العمل).
 
اعلان النتائج
ويواصل مدلول، ثم يقوم اعضاء مركز الفحص بتدقيق تلك الرزم ، والتأكد من التزام الفاحصين بتصحيح جميع الاسئلة، وعدم وجود أخطاء في عملية الجمع ونقل الدرجات من داخل الدفاتر الامتحانية الى غلافها الخارجي، اذ يتم تثبيت اسم وتوقيع المدقق لهذه الرزم  ما يضمن للطالب الحق وعدم الحاق الضرر به، واذا يوجد خطأ أثناء تلك العملية، فتتم اعادة الدفتر الامتحاني من اجل اجراء التصويب له من قبل لجنة الفحص والتدقيق نفسها، ثم ترسل الرزم الخاصة بالدفاتر الى اعضاء ادخال البيانات والدرجات، ثم يستكمل ادخال الدرجات باستخدام برامج خاصة تعالج جميع المعلومات المدخلة في الخطوات السابقة من أجل إعلان النتائج التي تخرج  الى العلن بالشكل الذي نراه لاحقا، كل شيء يحاط بالسرية والكتمان (والكلام لفيصل)، وبعدها تعاد الدفاتر الامتحانية بعد اكمال تدقيق الحاسبات، وبعد انتهاء كل اعمال الفحص والتدقيق بكل مراحلها تقوم ادارة المركز بتهيئة النتائج باستخدام برامج خاصة، ثم ترسل النتائج بعد الاعلان عنها الى المديريات العامة للتربية، كما يقوم مركز الفحص باعداد احصائيات خاصة عن نسب النجاح، واعداد تسلسل المدارس العشرة الاوائل، وكذلك تسلسل الطلبة العشرة الاوائل، ثم اعداد نسب النجاح لكل مدرسة، ثم استخلاص عدد الطلبة المعيدين (انها عملية طويلة وتستغرق وقتا طويلا على الرغم من أن الاقسام في الكونترول، يبعد الواحد عن الاخر امتارا، وعندكم التصور، كما يخاطبني (مدلول).
 
بنايات خاصة
بعد كل هذه الجولة، لمعرفة اسرار الامتحانات من خلال اهم مرفق حيوي لدى الوزارة (الكونترول)، اشرنا نقاطا عديدة، سمعنا بعضها من الفاحصين الذين نعرفهم، ومنها عدم وجود بنايات خاصة بمركز الفحص بشكل مستقل عدا مركز فحص الدراسة الاعدادية الاحيائي، واغلب مراكز الفحص عبارة عن مدارس تعاني أغلبها من استهلاك الاثاث، كما يتطلب توفير العديد من اجهزة التبريد الحديثة لان الامتحانات الوزارية تجري في فصل الصيف، كما ان اللائحة الخاصة بالاجور الخاصة بفحص الدفاتر الامتحانية والتدقيق، فضلا عن واضعي الاسئلة والاجوبة النموذجية لم تتغير حتى الان، على الرغم من زيادة اعداد الطلبة، وانا اختم جولتي، وأقول شكرا للوزارة التي منحتنا (كل التسهيلات اللازمة)، لنكتب عن مكان تقرر فيه مصائر ملايين الطلبة في عموم
العراق.