أزمة الدولة في العراق.. ما الحل؟

العراق 2019/03/03
...

ابراهيم العبادي
 

في حديثه لممثلة الامين العام للامم المتحدة يوم 6 شباط الماضي، ادلى  المرجع الاعلى السيد السيستاني بملاحظات  مهمة للغاية، حددت الاولويات التي ينبغي على الحكومة العمل بها، وحملت الكتل السياسية مسؤولية تغيير منهجها أو استمرار الازمة الداخلية في البلاد، ماقاله المرجع الاعلى كان واضحا ودقيقا اختزل صورة المشهد العراقي المأزوم، ورسم الخطوات المنهجية التي ينبغي القيام بها للخروج من الازمة تدريجيا، الخطوة الاولى: ،( ان الكتل السياسية اذا لم تغير من منهجها في التعاطي مع قضايا البلد، فانه لن تكون هناك فرصة حقيقية لحل الازمات الراهنة) ، الخطوة الثانية :، ( ان امام الحكومة العراقية الجديدة مهام كبيرة، وينبغي ان تظهر ملامح التقدم والنجاح في عملها في وقت قريب، وبالخصوص في ملف مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة، وتخفيف معاناة المواطنين ولاسيما في محافظة  البصرة) .
بين الخطوتين الاولى والثانية علاقة ترابطية، بمعنى ان على الحكومة ان تخطو  خطوات سريعة يلمسها الناس ليثقوا بقدرة النظام السياسي على التحرك لانجاز ما ينتظره منه المواطنون، فالنظام ممثلا بالحكومة واجهزتها،  صار ثقيل الحركة، بطيء الاستجابة،  قليل الانجاز، ما يعني ان الدولة غير قادرة على القيام بوظائفها، وهذا هو جوهر الازمة،  او سبب الازمات الحقيقية بتعبير السيد السيستاني، فالنظام غير قادر على حسم القرارات المهمة وصناعة سياسات عامة،  تكون رافعة
لقدراته وامكاناته على الانجاز، بسبب الصراع الحزبي ومنهجية تعاطي الكتل السياسية مع مجمل التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية  والقانونية .
ما تحدث به السيد السيستاني كان خريطة طريق تدريجية للخروج من الازمة، اي بتغيير طريقة التعاطي،  وتبني رؤية مغايرة لما درجت عليه القوى السياسية، منذ عام 2003 ولغاية اللحظة الراهنة، وهذا الخروج التدريجي يستدعي فعلا العمل على اولويات تعيد ثقة المواطن بالسلطة، بمغادرة منطق الحصص والاستحقاقات الحزبية التي غلفت بعنوان الاستحقاق الانتخابي، القوى السياسية مطالبة بالتخلي عن اعراف وقيم واخلاقيات رسختها هذه المرحلة التي سميت انتقالية لبلوغ الديمقراطية التمثيلية بدلا من ديمقراطية التوافق، وهي ديمقراطية  استرضائية شلت النظام، واعاقت تنفيذ السياسات، واشاعت الفساد، وزرعت دويلات عميقة  داخل الدولة، عندما يتحدث سياسي مثل السيد اسامة النجيفي وبعد يومين من اللقاء التشاوري الموسع الذي انعقد في رئاسة الجمهورية، عن نشوء ما سماه (اللادولة) في العراق، هذا يعني ان ثمة قلقا شديدا من مخاطر عدم تعافي النظام السياسي من امراضه وازماته، واستمرار الطبقة السياسية في انتاج مشاكل جديدة دونما قدرة على الخروج من المأزق الذي تدعي انها تريد معالجته .
الدولة مأزومة في العراق وستواجه ازمات جديدة سيكون منطلقها المطالبة بالخدمات، لكن لا احد بوسعه ان يقدم هذه الخدمات في ظل ضعف قدرات الحكومة، بل مجمل النظام السياسي على تقديم منجز سريع وملموس، فالكتل التي يطالبها المرجع بتغيير تعاطيها مع الازمات، ترفض التزحزح عن مطالبها ومراهناتها،  وقد عطلت حتى الان اكمال الكابينة الحكومية وتستمر في تعطيل الكثير من السياسات والقرارات،  بل والخطط للخروج من الازمة، لان لكل كتلة رؤية متعارضة مع الكتل الاخرى،   في النظر الى المشكلات الامنية والخدماتية والسياسية، ومادام الحراك يدور في حلقة مفرغة واجتماعات مارثونية، فان النظام السياسي يجازف بالوصول الى الانسداد، ويدفع باتجاه الاحتجاج الجماهيري الذي يطور من اساليبه وشعاراته، البصرة  التي خصها المرجع في كلامه  والتي باتت تمثل اختبارا ونموذجا يلخص ازمة الدولة، ستكون اولى المدن التي ترغم الطبقة السياسية على التفكير بتغيير منهجها، مستلهمة (ثورة ) السترات الصفر الفرنسية وحراك الجمهورين السوداني  والجزائري.
فازمة البصرة ستكون معيارا جديا لقدرة الدولة على التعاطي برؤية متجددة للحلول أو تكريس منطق الاحتجاج الذي يهدد بنية النظام ويأتي بحلول ابعد من تفكير الفاعليات السياسية والحزبية.