د. عبد الخالق حسن
لم تكن السرقات في المجال الإبداعي وليدة عصرنا هذا، بل إنها تنتمي إلى العصور القديمة. انتبه عليها ووثق تفاصيلها النقاد العرب القدامى. وشاعت في عصر ما بعد التدوين، وبالتحديد في العصر العباسي الكثير من الآراء حول قضية السرقات الشعرية. فجاءنا من ذلك العصر تراث تنظيري هائل في هذا المضمار، من ذلك كتاب (الموازنة) للآمدي. وكتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) للقاضي الجرجاني. فضلا عما تضمنه كتاب (العمدة) لابن رشيق من آراء في هذا الخصوص. كان الاختلاف حول السرقة يدور في الطريقة التي من خلالها نقول إن هذا النص مسروق أو لا. وهل أن السرقة في المعاني أو في التركيب أو في الصورة الفنية المبتكرة. ولعل اللافت هنا أن نشير إلى أن كاتباً وناقداً مهماً بحجم الجاحظ لم ينشغل كثيراً بموضوع السرقات، بل نجده يتحدث عن (أن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي وغيرهم) وأن القضية تتعلق بكيفية سبك هذه المعاني. وهذا النص الجاحظي يجد له قرابةً مع متبنيات النقد الحديث في مجال (التناص)، الذي يرى أن النص لا ينتمي لنفسه فقط، بل إنه ينتمي إلى كل النصوص التي سبقته منذ أول نص ظهر.
وفي مجال الألحان الغنائية، ابتدأت أولى معارك السرقات للجمل اللحنية مع الألحان، التي لحنها محمد عبد الوهاب الذي اعترف باقتباس بعض جمله اللحنية من ملحنين أجانب أو من أصحاب مقطوعات موسيقية أو سيمفونيات. والفارق هنا أن عبد الوهاب ثبت اعترافه بهذا الأخذ أو الاقتباس من دون إنكار لمرجعية هذه الألحان. لهذا يصبح الأمر إشكالياً في كون السرقة ثابتة أم لا.
وحين نفحص السينما المصرية، سنجد أن الكثير من الأعمال الأجنبية قد أعيد تمثيلها بنسخ مشوهة عن النسخ الاصلية. ففي فيلم (طيور الظلام) بدا عادل إمام مقلدا للمثل آل باتشينو في فيلم (عطر امرأة). وكذلك استنسخ فاروق الفيشاوي وجالا فهمي في فيلم (الجينز) أداء ريتشارد جير وجوليا روبرتس في فيلم (الجميلة). مثلما استنسخت هيفاء وهبي في فيلم (حلاوة روح) دور مونيكا بيلوتشي في فيلم (مالينا)، بل وحتى الطفل الذي كان مشغوفا بمالينا تكرر مع هيفاء وهبي في الفيلم. أيضاً نقلت مي عز الدين ويسرا في فيلم (جيم أوفر) السيناريو الذي ظهرت به جين فوندا وجينيفر لوبيز في فيلم (الحماة المتوحشة). وغير هذا الذي ذكرناه كثير من الأفلام المصرية التي أخذت سيناريوهاتها من الأفلام الأجنبية.
لكن إن كان توارد المعاني أو النقل البسيط في الشعر والألحان له ما يبرره في كونه لا يسطو على كل النص، بل إنه قد يستعين به، وهذا الأمر جرى حلُّه لاحقاً تحت عنوان التناص. فكيف نبرر النقل الحرفي للأفلام الأجنبية من قبل السينما المصرية؟.
لهذا نقول إن النقل والاستعانة ببعض الصور الشعرية أو الجمل اللحنية لا يمثلان سرقة فاحشة، بل السرقة تكون لكل المتن، وهذا ينطبق على النقل والاستنساخ في السينما أكثر من انطباقه على الشعر والألحان.