الطب البديل.. علاج للأمراض المستعصية

ريبورتاج 2022/02/07
...

   علي غني
قادتني المصادفة وحدها لزيارة كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، ففوجئت بصيدلية تضم أدوية لمعالجة السرطان وكورونا، والسكر من دون الحاجة لطبيب، هذه الصيدلية تقدم خدماتها مجاناً، ومن دون وساطة لكل من يرغب بمعالجة تلك الأمراض المزمنة والتي حيرت الطب في العالم، فما هو البروكلي والنعناع الفلفلي، والقرع المر، والقشطة، تساؤلات حملناها إلى أهل الزراعة من المختصين في البحوث التي تهتم بالصيدلية المنزلية الدوائية العشبية، وإلى معامل سامراء لصناعة الدواء، وإلى أهل الصناعة، فتخيلوا بعد قراءة هذا الموضوع كم نحن فقراء أمام أعشاب ربما تنقلنا من الموت إلى الحياة.
 
الطب البديل
ربما أدين كثيراً للأستاذة المساعدة الدكتورة زينة محمد عبد القادر، رئيسة وحدة بحوث النباتات الطبية في كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد التي شدتني للموضوع الذي وصفته بالطب المنسي (ويطلق عليه بعض المختصين بالطب البديل)، وهو الافادة من صيدلية الطبيعة التي وفرها الله لنا من دون عناء، ويجهلها المرضى الذين يشترون الدواء بالملايين، ويهاجرون للعلاج طمعاً بالشفاء، وينسون أن العلاج أمام أنظارهم بل أنه (يمر عليهم يومياً)، فهناك من الفواكه والخضر والنباتات العشبية التي يمكنها أن تمنح المريض شفاء يفوق العلاج الكيميائي، لو تناولها بنحو صحيح، وهذا الذي أريد أن أصل إليه، واصطحبتني الدكتورة زينة إلى مختبرات وأماكن البحوث بجولة حرة لتشرح بين آونة وأخرى تفاصيل دقيقة عن كل نبات، وعشيرته وأصله وفائدته وكيف نتناوله، فتعالوا معي هذه المرة، ليس لعرض مشكلة، وإنما لعرض فائدة، يمكنها أن تمنحنا الشفاء، بعيداً عن المستشفى، والتحاليل والمفراس والسونار، والعمليات بأنواعها، لكن تحتاج منا إلى الانتباه.
 
الوقاية من السرطان
اقترحت الدكتورة زينة الذهاب إلى وحدة بحوث النباتات الطبية والعطرية بكلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، إذ التقينا بزميلتها الاستاذة المساعدة الدكتورة ياسمين فاضل سلوم الذي نالت براءة اختراع عن نبات البروكلي الذي كثر الكلام عنه بمعالجة أمراض عديدة وأبرزها (السرطان)، وقبل أن أسارع بسؤالي عن أسباب إقبال الناس عليه الآن، فاجأتني بالجواب: لتوفره ونجاح زراعته عندنا، بل يمكن زراعته حتى في حدائق بيوتنا واستحواذه على اهتمام كبير في أوساط البحث الطبي، وقد لاحظت عدة دراسات طبية سابقة أن ثمة دوراً إيجابياً لتناول البروكلي في الوقاية الفاعلة من الإصابة بالأمراض السرطانية بسبب محتواه المرتفع من الــ Sulforaphane وكذلك بعض مشتقات Glucosinolates الأخرى.
 
تجارب على الفئران
وأنا أستمع لها بشغف، لو تدري ما بينته الدراسات العلمية، لأصابتك دهشة كبيرة (وهي توجه الكلام لي) في قدرة (السالفورافان) على خفض نشاط الخلايا السرطانية بل وأظهرت القدرة الانتقائية له في القيام بعملية الاستهداف والتدمير الانتقائي للخلايا السرطانية من دون أن يطول الخلايا السليمة في الجسم، كونه يُعد مصدراً جيداً لمضادات الأكسدة الطبيعية، لا بل أنقل لك معلومات أكثر، إذ اظهرت الدراسات نتائج مدهشة، لا سيما التي اجراها Kohlmeier و Su(1997) عن وجود انخفاض كبير في نسبة احتمال الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بزيادة استهلاك محاصيل الأسرة الصليبية ولاسيما البروكلي، وذهب العلماء بعيداً في عام 2006 حينما أجروا تجارب على الفئران، وبينت نتائج الدراسات إن السالفورافان الموجود في البروكلي قادر على حث Histone acetylation والحد من تشكيل الأورام السرطانية الناتجة من حدوث اضطرابات جينية تحفز نمو الخلايا السرطانية وتشجع تكاثرها، وهناك فوائد لا تحصى، لكني اكتفي بهذا القدر وأتركها لمن يتناول هذه الثمرة العجيبة.
 
طعم شهي
ولم تكن (القشطة)، أقل أهمية من البروكلي في محاربة السرطان والأمراض الأخرى، هذا ما حدثنا عنه الاستاذ المساعد الدكتور صلاح حسن جبار من قسم البستنة وهندسة الحدائق /كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، الذي أكد دخولها السوق العراقية، فالقشطة تعد من الفواكه الاستوائية التي تتميز بطعم شهي يمتزج بنكهة الموز والأناناس، والثمرة عبارة عن كرابل ملتحمة بالتخت اللحمي وتحتوي كل كربلة على بذرة واحدة كما تحتوي الثمرة الواحدة على عدد كبير من البذور، وتكون الثمار متوسطة الحجم، قلبية الشكل أو بيضوية أو مخروطية، وسطحها مفصص تفصيصاً واضحاً، ولونها أخضر مصفر أو أخضر داكن، ولبها أبيض له رائحة عطرة، وطعمها حلو ولذيذ جداً يكون ما بين الموز والأناناس، أما البذور فتكون سوداء أو بنية داكنة صغيرة الحجم.
 
القيمة الغذائية
ويضيف الدكتور صلاح، إنها شجرة تزرع في العراق وفي بلدان أخرى من أجل ثمارها التي تستهلك طازجة بعد تقشيرها وتقطيعها مع مراعاة إزالة بذورها السوداء فهي تعتبر غير آمنة، لاحتوائها على مواد سامة، وهذه معلومة مهمة لمستهلكي هذه الثمرة، وهي تسترعي الانتباه!.
 
وصفة كاملة
لكنها والحق يقال، تعد من أهم أنواع الفواكه ذات المفعول الطبي، لكنها غير معروفة بين الكثيرين، وتتميز الثمرة باحتوائها على العديد من العناصر الغذائية والفيتامينات المهمة لصحة الإنسان، لا سيما فيتامين B6  (اذ توفر 20 % من القيمة الموصى بها يومياً) وفيتامين B9 المهم لصحة الجهاز المناعي، كما أنها مصدر جيد للألياف الغذائية التي تعمل على خفض مستوى السكر في الدم، إذ تحتوي الثمرة الواحدة على ما يقارب 8 % من احتياج الجسم من الألياف، بالإضافة إلى Flavonoids وTannins والريبوفلافين B2 والثيامين B1، وحامض البانثوثنيك، والنياسين، والبوتاسيوم، والفسفور، والنحاس، والزنك، والصوديوم، والحديد والكالسيوم، وهذه التشكيلة لو كانت بوصفة إلى اي (صيدلي في الحارثية)، لكان ثمنها لا يقل عن مئات الآلاف من الدنانير العراقية، لذلك توصف هذه الثمرة للوقاية من الأمراض السرطانية.
 
تقوية الجهاز المناعي
لا تقتصر فائدة هذه الثمرة على الأمراض السرطانية، إذ بينت العديد من الدراسات العلمية أن فاكهة القشطة تحتوي على مركب كيميائي مهم يدعى Acetogenin وهو مركب يتكون من مواد شمعية تتكون من سلاسل طويلة من الدهون غير المشبعة (C32 or C34)، كما أنها ثمرة تسهم في تقوية الجهاز المناعي.
 
النعناع الفلفلي
وكشفت لي الاستاذة المساعدة الدكتورة ياسمين فاضل سلوم، وهي الباحثة المجدة عن أمور كانت غائبة عن أذهان الكثير، ففي ظل تفاقم انتشار فيروس" COVID -19 "في معظم دول العالم توجهت غالبية الدول في الشرق والغرب للاهتمام بالغذاء الجيد والصحي الذي يساعد على تعزيز دفاعات الجهاز المناعي بشكل عام حتى يتمكن من مقاومة هذا الفيروس، وإن الحفاظ على صحة الجهاز المناعي تعد المفتاح الأساسي لتقليل الإصابة بهذا الفيروس، ومن أجل دعم وتقوية الجهاز المناعي فإن الجسم يحتاج إلى مواد غذائية تتميز بغناها بالمركبات الطبية والفيتامينات والعناصر التي تساعد الجسم على مواجهة فيروس كورونا المستجد، فاتجهوا إلى النعناع الفلفلي (وهو الآخر كان هدفاً لبراءة اختراع للدكتورة ياسمين)، وهو من النباتات التي تتميز بتركيبتها الغنية بالمركبات الطبية والتي تعد علاجاً فعالاً للعديد من الأمراض، فضلاً عن كونها عاملاً وقائياً للعديد منها  لاسيما أمراض الجهاز التنفسي، لذا كان من يتناولــــــــــــــه يحس بأنه غير خائف من فيروسات الجهاز التنفسي خصوصاً  (COVID -19)، فكان ملكاً من ملوك الطب البديل.
 
القرع المرّ
وقد يجهل الكثير ص، كما تقول الدكتورة رؤى عبد الحسين علي الأسدي الاستاذة في كلية علوم الهندسة الزراعية، إذ إن القرع المر على الرغم من اتصافه بالمرورة، لكنه يشفي أمراضاً عديدة، منها الكوليرا والتهاب الشعب الهوائية وفقر الدم والقرحة والاسهال والدزنتري، فهذا النبات ذكر في نصوص الايرفيدا (الطب الهندي القديم) التي كتبها أعضاء من الثقافة الهندية، وذكروا أن القرع المر ظهر في الهند من 2000 إلى 200 سنة قبل الميلاد، والمثير للدهشة بهذا النبات، انه كان قد استعمل من قبل بعض القبائل الهندية في الاجهاض وتحديد النسل وزيادة تدفق الحليب عند المرضعات واضطرابات الدورة الشهرية والإفرازات المهبلية والإمساك واليرقان والنقرس والأكزيما والبواسير والأمراض الجلدية، لا سيما الجذام و الصدفية ولعلاج مرض السكري وطرد الغازات، كما يستخدم موضعياً لعلاج القروح والجروح والالتهابات. 
 
مشروع رئاسي
وأعود للأستاذة المساعدة الدكتورة زينة محمد عبد القادر رئيسة وحدة بحوث النباتات الطبية في كلية علوم الهندسة الزراعية بجامعة بغداد لتتحدث لي عن بحثها، ورق السكر(الستيفيا)، وأهميته لمرضى السكر وكبديل آمن عن سكر المائدة، فضلاً عن دوره الطبي المهم في الوقاية من أمراض القلب وضغط الدم وبعض أمراض السرطان في برامج التخلص من البدانة او السمنة لعدم احتوائه على سعرات حرارية.
وتضيف: نحن نفكر بمشروع لإنتاج هذا السكر (الستيفيا) بعد نجاح زراعته في العراق، وازيدك معلومة قد لا تصدقها، بأن هذا المشروع أصبح في مصر (مشروعاً رئاسياً)، لأنه يعد هو البديل المستقبلي عن السكريات الصناعية المنتشرة في العراق، وربما تقول بأنني أبالغ كثيراً، اذا ما قلت لك بأن تحلية سكر (الستيفيا) أكثر من (300) مرة من سكر المائدة إلى جانب فوائده الصحية، وإن نجاح زراعته في العراق ورخص ثمنه يدفعانا للتساؤل لماذا لا نجعله من المشاريع الستراتيجية التي تدر أموالاً طائلة، ولها فوائد عديدة؟.
 
معامل سامراء
لا أعرف الأسباب التي لا تدفع المعامل الصناعية ومعامل الأدوية في سامراء والقطاع العام والمختلط للتوجه لاستغلال هذه النباتات طبياً وصحياً واقتصادياً، وأنا على يقين بأن كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد لا تبخل بأي معلومة تحتاجها هذه الجهات المختصة، كما نطالب رئاسة الوزراء ووزارة الزراعة بتشجيع هؤلاء العلماء الذين يحاولون تطوير الزراعة في العراق وادخال أصناف جديدة ومفيدة للعراق، فهي تستحق الالتفات إليها، بدلاً من الاستيراد وخسارة ملايين الدولارات، فهل من مجيب؟!.