العنف ضد الأطفال.. غياب الأُسر والقوانين

ريبورتاج 2022/02/21
...

 طفوف أحمد
لا تزال هذه الظاهرة تتسبب بموت عشرات الأطفال، بالرغم من القوانين التي لم تكن إلا حبراً على ورق، فهي لا تصلح ولن تنفع للحد من انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال التي استفحلت بإيذاء أطفال أبرياء لا يملكون حولا ولا قوة لحماية أنفسهم، وتحت شعار "آباؤهم أدرى بمصلحتهم" يتعرض اليوم عدد كبير من الأطفال إلى الضرب المبرح وايضاً إلى التعذيب الذي يصل إلى حد الموت أحياناً، ويتم تصوير هكذا فيديوهات ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالرغم من وجود منظمات دولية تمنع حصول هكذا اعتداءات، إلا أنها لن تكفي للحد منها، وايضاً لم تجد مساندة من الحكومات لوضع قوانين رادعة تقف بوجه كل من يفكر بالطريقة الرجعية لممارسة عنفه ضد الطفل، ولغرض الوقوف على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، كان لنا هذا التحقيق. 
 
تنوع العنف 
ترى الباحثة الاجتماعية شهرزاد العبدلي "أن العنف ضد الأطفال ظاهرة موجودة في كل بلدان العالم، لكن في العراق تحديداً يتخذ شكلاً واضحاً جداً ومضاعفاً بسبب الحروب والنزاعات التي مر بها العراق والمشكلات الاقتصادية منذ أكثر من أربعين سنة، والتي خلفت آثاراً سلبية على الأفراد والمجتمع وضحيتها الأطفال، إذ إن للعنف أسباباً عديدة، منها الحالة النفسية التي يمر بها أفراد الأسرة أو الوضع الاقتصادي الصعب  للأسرة، وكذلك نلاحظ عندما يمر الآباء في ظروف صعبة ويتعرضون للعنف خلال الحروب وخلال الاعتقال والسجن مثلاً أو وجودهم في المخيمات كل هذا يؤثر في حالتهم النفسية والتي تنعكس على الأطفال، ومن الممكن أن يتعرض الطفل للعنف اللفظي بألفاظ قوية جارحة، والعنف الجسدي كالضرب، واحياناً يتعرض لعنف اقتصادي والذي يكون على شكل عمالة الأطفال، وهناك نوع آخر من العنف وهو العنف الثقافي والذي يعني حرمان الأطفال من إكمال دراستهم، ففي البلدان الأخرى يتعرض الطفل لنوع أو نوعين من العنف، أما الطفل العراقي فيتعرض لشتى أنواع العنف بسبب الظروف الصعبة للبلد. 
 
مسؤولية مشتركة
وتقع مسؤولية تعرض الطفل للعنف على عاتق  الحكومة أولاً  قبل الأسرة، لأن الحكومة إذا وفرت للأهالي عدالة في توزيع موارد الدولة وفرص العمل بالتالي سوف يقل العبء عن المعيل في الأسرة إذا كان الأب أو الأم، وستكون معاملتهما للطفل معاملة أفضل. وأضافت العبدلي، يجب أن تكون هنالك مؤسسة تشريعية، تشرع القوانين لأننا نملك القوانين لكنها غير مفعلة، مثل إلزامية التعليم ومعاقبة الأشخاص الذين يعنفون الأطفال، وأيضاً يجب توفير دور لرعاية الأطفال الذين يتعرضون للعنف داخل الأسرة، وأن تكون هنالك مؤسسة مثل الشرطة المجتمعية تأخذ دورها بشكل أفضل مثل ما موجود في الخارج، على أن يكون هناك خط ساخن، يتم من خلاله التبليغ عن العنف، وضرورة اتخاذ الدولة مسؤوليتها بإيقاف عمالة الأطفال وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني عن طريق إقامة حملات تثقيفية توعوية للأهالي، والتعاون مع الجهات المختصة في الدولة حتى يكون العمل تكاملياً، ولا يخفى أيضاً دور وسائل الإعلام الذي يجب أن يكون أكبر بتسليط الضوء على هذه المشكلة حتى تتم معالجتها. 
 
ثغرات قانونيَّة
وبيّن الخبير القانوني مهدي الصبيحاوي أن جميع القوانين العراقية عدت العنف ضد الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون، خاصة قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 رقم 111 في المادة 383 التي نصت على  أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بغرامة على أن لا  تزيد على ثلاثمئة دينار من عرض للخطر سواء بنفسه او بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية أو العقلية"، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة عن طريق ترك الطفل او العاجز في مكان خالٍ من الناس أو من قبل ذوي المجني عليه.
والجريمة دائماً ما تحتاج إلى إخبار أو علم السلطات القضائية، ومكافحة العنف الأسري بها، وإلا لا نستطيع أن نقضي على هذه الجريمة لأنه غالباً ما تكون سرية، وقد وجدنا في الآونة الأخيرة نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تبين كيف يمارس الآباء أو الأمهات تعنيف الأطفال، ففي هذه الحالة حتى إن لم يكن هناك إخبار، أصبح هناك علم لدى السلطات القضائية، فتكون مباشرة أمام جريمة حتمية ويقع على عاتق أعضاء الضبط القضائي والادعاء العام تحريك شكوى.
 
اتفاقية سيداو
وأشار الصبيحاوي إلى "وجود اتفاقيات ألغى العراق التعامل بها عام 2009، والتحفظ على حقوق الأطفال وهي (اتفاقية سيداو)، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر قديماً جداً ويحتاج إلى تعديل، خاصة المادة 57 منه بخصوص حضانة الطفل، وبين أن هناك مشروع قانون للحماية من العنف الأسري في العراق والذي ترحل إلى الدورة المقبلة في البرلمان العراقي،  وتم  تأجيل التصويت عليه بسبب بعض التعديلات والخروقات القانونية والدستورية فيه. 
 
دور الأم
ولا يخفى دور الأم وانعكاس أفعالها على الأطفال، هذا ما تقوله فاطمة محمد وهي أم لطفلة، إذ تبين أنها ضد العنف مع الطفل بكل أنواعه، لأن هذا العنف سيكون انعكاسه على نفسية الطفل، وبالتالي يتصرف بكل سلبية تجاه الجميع، وتجاه حتى الألعاب التي يملكها، لأن الطفل يمتص كل تصرفات الأم وأحاسيسها  ويطبقها مع الجميع، ونتيجة للعنف يتكون إنسان عصبي ومرهق ويملك إحساساً بنقص الحنان طول حياته، ويبقى كلما رأى أماً تعامل أطفالها بحنان وخوف أمامه، يزيد العنف بداخله، ويعوض النقص بإيذاء نفسه وإيذاء الآخرين. 
 
أسباب كثيرة
الإعلامي علي صحن عبد العزيز يبين أن "التكوين الاجتماعي والبيئة الاقتصادية عاملان مؤثران في ازدياد ظاهرة العنف ضد الأطفال، فما يعانيه آباؤهم من ظروف قاسية في تدبير المعيشة أسهم في تنامي هذه الظاهرة، كما أن استحواذ الانترنت على مجمل أوقات الآباء جعل من الأبناء صيداً سهلاً للوقوع في الجريمة، ونيل العقاب من الوالدين، وأطفالنا يعيشون في متاهة ولا بد من توفير كل مقومات الحياة المطمئنة لهم، والعنف ليس الحل الأمثل ضدهم، وإنما احتضانهم وتفهم حاجاتهم هو السبيل في القضاء على ظاهرة العنف، وعليه نناشد بتفعيل قانون حماية الطفولة لأنهم عماد المستقبل وعنفوان مجده.