العواصف الغباريَّة.. أضرار بيئيَّة وصحيَّة واقتصاديَّة

ريبورتاج 2022/03/09
...

  نافع الناجي
 تصوير: نهاد العزاوي
مع تفشي الجفاف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة الذي صاحبه التراجع في كميات سقوط الأمطار إلى جانب التصحر المتزايد، أصبحت التربة هشة ولا تصمد أمام الرياح، لتزداد العواصف الغبارية والرملية المضرة بالصحة والمزروعات والأنشطة الاقتصادية ولتصبح ظاهرة متكررة وأكثر كثافة. ويراقب الباحثون تطور العواصف الغبارية التي أصبحت أكثر عنفاً وأشد ضرراً، إذ يعزون سببها الأول إلى الاحتباس الحراري السريع الذي تشهده المنطقة حالياً. 
 
 فخلال الخمسة عشر إلى العشرين عاماً الماضية، تراجعت المساحات الزراعية بنسبة ثلاثين  بالمئة في الشرق الأوسط، لكن هذا لا قد يكفي لتفسير استمرار تدفق تلك العواصف التي يشهدها بلدنا والتي يصل عددها أحياناً إلى 300 عاصفة خلال كل
عام.
كما يقصد بظاهرة الغبار، هي ارتفاع الدقائق الغبارية والرملية وغيرها من العوالق عن سطح الأرض وانتشارها في الجو، مسببة هبوطاً في شفافية الهواء وضعف مدى الرؤية، ما يؤدي إلى تلوث وتعتيم للهواء ويؤثر في الصحة الحيوية للمواطنين والشعور بحالات ضيق في التنفس وحالات من عدم الارتياح، فضلاً عما تسببه من تلوث وأضرار للثروتين الزراعية والحيوانية على حدٍ سواء.
وترتبط ظاهرة الغبار مع الخصائص المناخية الجافة وشبه الجافة، وتعد ظاهرة الغبار من السمات البارزة للحالة الجوية في العراق والمنطقة المجاورة خلال الفصل الحار الجاف من السنة، على الرغم من إمكانية تكرار حدوث الظواهر الغبارية خلال معظم أيام السنة، لملاءمة الظروف المساعدة على ذلك والمتمثلة بنشاط تيارات الحمل في الفصل الجاف، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، والتقاطها لذرات التربة المفككة، فضلاً عن  تكرار المنخفضات الجوية والكتل الهوائية، كما أن الكثير من الجهات تكون قليلة الغطاء النباتي أو معدومة منه، وتتعرض بدرجة كبيرة إلى ظاهرة تعرية الرياح الجافة للتربة المفككة تحت ظروف الجفاف والغبار، فضلاً عن استواء السطح لمسافاتٍ واسعة.
وتكون مصادر الغبار أما محلية، إذ إن حوالي  92% من أراضي العراق الواقعة إلى الشمال والمتمثلة بأراضي الهضبة الغربية والأراضي المتروكة من السهل الرسوبي جنوب من دائرة عرض35.
بينما تكون خارجية عندما تقوم الرياح بنقل ذرات الغبار من الجهات الجافة وشبة الجافة خارج العراق، والمتمثلة بالصحراء الأفريقية وشبه جزيرة سيناء وصحارى بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية.
ويشير عدد من الدراسات إلى أن هبوب العواصف الغبارية قد أصبح أكثر تكراراً بعد عمليات تجفيف الأهوار، وذلك بسبب ظروف المنطقة وطبيعة تكوين تربتها الناعمة وغير المتماسكة، فضلاً عن إحاطتها بمناطق صحراوية، وبيّنت الدراسات أن أغلب مكونات الغبار في المناطق الجنوبية من العراق هي غرينية وطينية. وتخضع الظواهر الغبارية في أي منطقة إلى عوامل فيزيائية بالغة التعقيد تبدأ بطبيعة التربة في المنطقة والمناطق المحيطة بها، وتمر بنشاطات الإنسان المختلفة عليها، وتنتهي بالعوامل الجوية والتي من ضمنها الرياح، ويزداد تأثير الرياح بشكل عام عندما تصل سرعتها بين(5  – 5.5م/ ثا ) والرياح السائدة في منطقتنا تبدو كافية للقيام بعمليات تعرية ريحية، حينما تتوفر الظروف المناسبة، وذلك لاستواء السطح وتوفر عناصر أخرى.
 
الأسباب والأضرار
يقول الدكتور والجيولوجي حسين كامل الربيعي من الجامعة المستنصرية، إن «العواصف الغبارية في العراق هي رياح حاملة لدقائق غبار متناهية الصغر معها، وهي تهبّ بصورةٍ غير اعتيادية بحيث تحد من الرؤية وتؤدي إلى أضرارٍ بصحة الإنسان والمزروعات والمواشي والنقل البري وحركة الطائرات».
وأضاف: إن «من أهم الأسباب هو الموقع الجغرافي للعراق والذي تشكل الصحراء جزءاً كبيراً من مساحته، فضلاً عن أن البلدان المحيطة به من الغرب والجنوب خصوصاً، هي بلدان صحراوية أو شبه صحراوية حيث تهب الرياح القوية بسبب اختلاف درجات الحرارة، حاملة معها كميات هائلة من الغبار ولمسافاتٍ بعيدةٍ وبارتفاعات
عالية».
إن لظاهرة الغبار نتائج سلبية كثيرة على البيئة ومن ضمنها الإنسان وأنشطته المختلفة ومنها تغير عامل الشفافية الجوية والنتائج المترتبة على ذلك، إذ يتناقص مدى الرؤية إلى حدٍ كبير أحياناً، وربما يصل إلى درجة انعدامها، فضلاً عن أثرها في تقليل كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض، وعرقلة عمليات النقل البري والبحري والجوي وارتفاع نسبة الحوادث المرورية، علاوة على التأثير السلبي في طرق السيارات، وخطوط السكك الحديدية، وعلى النقل الجوي سواء في عمليات الهبوط والإقلاع للطائرات أو التأثير في مسار
الطائرات.كما تسهم الظواهر الغبارية في تفاقم ظاهرة التصحر وزيادة حدته، والتأثير السلبي في الغطاء النباتي والحيواني، إذ تؤدي إلى خفض القدرة الإنتاجية للأرض والنباتات والحيوانات، فضلاً عن الإنسان.
كما تؤدي إلى إصابة السكان بالأمراض النفسية والعصبية والأمراض الجسدية كأمراض الجهاز التنفسي، وتتسبب في تلوث الملابس والمنازل والشوارع والأسواق والسيارات وغيرها.
وترافق تكرار الظاهرة الغبارية هجرة عدد من السكان من المناطق التي ترتفع فيها معدلات تكرار الظواهر الغبارية إلى مناطق أخرى، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية متعددة.
وتتركز العواصف الغبارية في المناطق القريبة من الهضبة الغربية من العراق وخاصة الجهات التي تنتشر فيها الكثبان الرملية التي تختلط رمالها بذرات التراب، في حين أن دقائق الغرين والطين والرمال الناعمة التي تنقلها العواصف الترابية غالباً ما تغطي مساحات واسعة لصغر حجمها مقارنة بخشونة ذرات الرمال في حالة العواصف الرملية.
وللتمييز بين العاصفة الغبارية والظواهر الغبارية الأخرى فإن مدى الرؤية هو العامل الحاسم في ذلك بينها وبين الغبار المتصاعد والغبار العالق.
وتحدث عواصف الغبار في العراق بشكل عام في المنطقتين الوسطى والجنوبية بشكل خاص دون الحد الأدنى لسرعة الرياح الذي تقرره المنظمة الدولية للأنواء الجوية في تعريف العاصفة الغبارية لارتباط ذلك بالظروف المحلية، خاصة في المناطق ذوات الترب الملائمة لعوامل التعرية
الريحية.
 
أنواع العواصف الغباريَّة
ويضيف الربيعي، إن «العواصف الغبارية هي على ثلاثة أنواع، نسبة لمكان هبوبها، أولها العواصف الغبارية المحلية، وثانياً العواصف الغبارية التي تقدم من شبه الجزيرة العربية، أما النوع الثالث فهي العواصف الغبارية القادمة من الصحراء الكبرى جنوب ليبيا وشرق السودان حيث تعبر البحر الأحمر وتمر على عدة بلدان».
ويبين الجيولوجي والأكاديمي، أن «هنالك عوامل تتحكم بالعواصف الغبارية ومنها الموقع الجغرافي للعراق ومناخ العراق القاري واتجاهات الرياح السنوية، ثم الانحباس الحراري والتبدلات المناخية على المستوى العالمي والتفاوت في كميات الأمطار الساقطة سنوياً وانحسار الرقعة الزراعية لأسبابٍ عديدة وقلة المساحات الخضراء».
وزاد الربيعي «كذلك التصحّر وقلة الموارد المالية لتطوير وزراعة الأراضي الصحراوية وتشجيرها، فضلاً عن قلة الوعي والثقافة البيئية لدى المواطن وعدم كفاية القوانين والرقابة والتشريعات المحلية، ناهيكم عن القطع الجائر للنباتات وعدم التمدد في زراعة بساتين النخيل والأشجار الأخرى التي تعمل على تثبيت التربة وتلطيف
الجو».
 
زحف الصحارى
تزداد العواصف الغبارية كلما انحسرت الرقعة الزراعية في العراق، ويعد إهمال زراعة الأرض وعدم التشجير والحروب من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة العواصف الغبارية في العقدين الأخيرين، فضلاً عن التفاوت في سقوط الأمطار وتغير معدلاتها من سنةٍ لأخرى، بسبب التبدلات المناخية الناجمة عن ظاهرة الانحباس
الحراري. والعواصف الرملية تختلف عن العواصف الغبارية، فالعاصفة الرملية تكون داخل الصحراء أو على المناطق المحيطة بها ولا ترتفع ذرات الرمل أكثر من 50 سنتمتراً، ولمسافات ليست بعيدة بسبب ثقل دقائق الرمل، وتنشأ عنها كثبان رملية هنا وهناك بحسب حركة الرياح، وتعد العواصف الرملية من أهم مخاطر التصحّر وزحف الرمال
التدريجي. أما العواصف الغبارية فإنها يمكن أن تنتشر على مساحاتٍ شاسعةٍ جداً من الصحراء الكبرى في أفريقيا وفوق البحر الأحمر لتغطي مناطق الخليج العربي  
والعراق.
 
الحلول الممكنة
هنالك عدد من الحلول للحد من العواصف الغبارية المحلية، ومنها زيادة الرقعة الزراعية وتشجيع الفلاحين في العراق على زراعة البساتين والأشجار المثمرة، والتوسع في التقنيات الحديثة في الري كالتنقيط والرش بغية التقليل من ضائعات الماء، واستصلاح الأراضي غير الصالحة وإعادة زراعتها لتحيط بمراكز المدن والأقضية والنواحي والقصبات وحتى 
القرى.
وكذلك سنّ التشريعات اللازمة للحد من استغلال الموارد الطبيعية بصورة غير منظمة، واستنباط وسائل تقنية لوقف زحف الرمال على المناطق القريبة منها، ونشر الثقافة والوعي البيئي بكل الوسائل المتاحة وجعلها ثقافة عامة ذاتية لدى المواطن.كما أن المحميات البيئية لها أهمية فائقة في التوسع بالغطاء النباتي وإيجاد الفرص لأنظمة بيئية جديدة، ويمكن أن تكون هذه المحميات متنوعة، نباتية وحيوانية في وسط المناطق الصحراوية، والاستفادة من الخبرات الدولية عبر التنسيق مع الدول الأخرى ذات العلاقة في هذه الظاهرة.لقد اعتاد السكان على العواصف الرملية، وصاروا يطالعون نشرات الأخبار التي تطالب النساء الحوامل وممن يعانون من مشكلات تنفسية وأمراض الربو والتحسس القصبي باتخاذ الاحتياطات الضرورية والبقاء في منازلهم قدر المستطاع، فهل نجد قريباً حلاً جذرياً للتخفيف من حدة العواصف على بيئتنا ومنازلنا وأرواحنا؟.