شكلوفسكي: المتوالية القصصية هي أصل الرواية

ثقافة 2019/03/17
...

د.ثائر العذاري
 
قادني البحث عن الدراسات حول المتوالية القصصية إلى كتاب أرى أنه في غاية الأهمية، وهو (نظرية النثر Theory of Prose) لواحد من أقطاب الشكلانية وهو فيكتور شكلوفسكي الذي نشر هذا الكتاب عام 1929 لكنه لم يعرف عالميا إلا بعد أن ترجمه تودوروف إلى الفرنسية عام 1965، ولابد هنا من الإشارة الى أن تأثر تودوروف بالكتاب واضح خاصة فيما يتعلق برؤيته للشكل الأدبي
على أنه تلك العلاقات التي تربط بين عناصر العمل لا العناصر نفسها، ففهذا المعنى نقطة جوهرية في كتاب شكلوفسكي. 
ثم ترجمه بنجامين شير إلى الإنكليزية عام ١٩٩١ (وهي الطبعة التي بين يدي)، وعلى الرغم من أهميته لم يترجم إلى العربية حتى الآن عدا فصل واحد منه هو الفصل الثالث (بنية الرواية) الذي ترجمته سيزا قاسم عن الفرنسية ونشرته في مجلة فصول (العدد ٤، المجلد ٢، ١٩٨٢)، ولحسن الحظ أن هذا الفصل هو ما نريد الحديث عنه في
 هذه المقالة.يقع الكتاب في عشرة فصول، هي في الأصل مقالات نشرت متفرقة بين عامي ١٩١٦ و١٩٢٥، ولعل أهمها الفصل الأول المعنون (الفن بوصفه أداة Art as device) الذي يضع فيه شكلوفسكي الأساس لفهمه للشكل الأدبي، فالشكل عنده 
مجموعة من الأدوات المترابطة (الحبكة، الإيقاع، الصورة، تراتب الكلمات، …)، وثمة حافز لكل أداة جعلها توجد في العمل الأدبي، والبحث في الشكل هو البحث عن تلك الحوافز وكشف العلاقات بين الأدوات.في الفصل الثالث يبحث شكلوفسكي نشأة الرواية تاريخيا، ويرد في بداية بحثه العبارة التالية التي أنقلها من ترجمة سيزا 
قاسم:
“كان الجد الأول للرواية هو مجموعة القصص.. وكانت مجموعة القصص تؤلف -عادة- بطريقة تتيح رابطة ما -ولو شكلية بين أجزائها المختلفة المكونة لها. وكان ذلك يحدث بأن تضمن القصص المختلفة داخل قصة واحدة تحتويها، فتصبح جزءا منها. ويتبع هذا النسق أعمال مثل (الأسفار الخمسة أو البنجاتنترا) و(كليلة ودمنة) و(هيتوبديشا) و(حكايات الببغاء) و(الوزراء السبعة) و(ألف ليلة 
وليلة)…..*
من المهم التنبيه إلى أن ترجمة سيزا قاسم عن الفرنسية تختلف قليلا عن النص الانكليزي، ففيه لم ترد عبارة (الجد الأول للرواية) بل وردت (كانت الرواية مسبوقة ….)، كما أن شكلوفسكي استعمل مصطلح (الحكاية الإطارية frame tale) الذي لم يرد في ترجمة سيزا 
قاسم.
إن ما يهمنا في هذا الكتاب هو فكرة شكلوفسكي ابتداء من هذه العبارة فهو يرى أن الأدب قبل أن يهتدي إلى فكرة النص السردي الطويل (الرواية) كتب النصوص السردية القصيرة المترابطة بطريقة ما، حتى لو كان ذلك الترابط شكليا، وعد فكرة الحكاية الإطارية التي تتضمن حكايات مستقلة عن بعضها كما في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة هي أصل الرواية، فالأدب لم يصل إلى الشكل الروائي إلا بعد التعرف على أداة شكلية مهمة هي
 (الحبكة).
إن هذا الفهم ينطبق تماما على الشكل العام للمتوالية القصصية، فهي مجموعة قصص يربط بينها رابط ما أو أكثر ولو شكليا.
وإذا تأملنا كتاب (كليلة ودمنة) مثلا على وفق فهم شكلوفسكي السابق، سنكتشف أن الكتاب متوالية قصصية مكتملة الشرائط، وان هناك أكثر من رابط يربط
 بين القصص، أولها الحكاية الإطارية وهي قصة الفيلسوف بيدبا ونصائحه للملك التي يرد في أثنائها تلك الحكايات. وثانيها أن الحكايات كلها تدور على ألسنة الحيوانات، وثالثها شكلي أيضا فالحكايات كلها تنتهي
 بحكمة.
تفتح التفاتة شكلوفسكي هذه بابا واسعا لدراسة عشرات الأمثلة في الأدب العربي القديم تنطبق عليها صفة السرد المتسلسل أو المتوالي ومنها رسالة الغفران والمقامات
 والامتاع والمؤانسة وغيرها. فهذه كلها تتكون من قصص كل واحدة منها مستقلة بذاتها، لكنها جميعا متضمنة في حكاية إطارية ويربط بينها موضوع 
واحد.