بالرغم من الموازنات الانفجاريَّة .. التسوّل.. إلى متى؟

ريبورتاج 2022/04/07
...

 احمد الفرطوسي
 تصوير: نهاد العزاوي
تعد ظاهرة التسول من السلوكيات السلبية التي انتشرت في كثير من المجتمعات على مر التاريخ، إلا أن هذه الظاهرة في العراق أخذت منحى سلبياً تحولت فيه من حاجة ملحة نتيجة عامل الفقر المدقع إلى حرفة تمتهنها أعداد غير قليلة في المدن والطرقات المكتظة بالسكان، كل ذلك جاء نتيجة  للظروف السياسية التي مر بها البلد وما لحق  به من آثار سلبية على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، وغياب التشريعات القانونية، الأمر الذي خلق حالة من التداخل بين العوز الحقيقي لبعض أفراد المجتمع وبين من يستغل هذه الظروف لتحقيق مبالغ مالية كبيرة على حساب مستحقيها.
إدمان التسوّل
يقول مسؤول البحث الاجتماعي في دائرة الرعاية الاجتماعية عبدالعزيز البدري لـ»الصباح»: «تعتبر محافظة المثنى من المحافظات التي يعتمد أهلها على الزراعة في معيشتهم، ونظراً للظروف الطبيعية والسياسية التي مرّ بها العراق بشكل عام، والتي منها انخفاض كبير في مناسيب المياه، وعدم دعم الدولة للفلاح بكل أشكال الدعم»، مضيفاً «لقد أثر ذلك في كل مفاصل الحياة الاقتصادية، فنجد أن أغلب الذين يعتمدون على الزراعة، تركوا هذه المهنة وبدؤوا يلجؤون للمدينة، إضافة إلى ضعف المشاريع الستراتيجية التنموية، كالمشاريع الصناعية، والبتروكيميائية، ما ساعد على زيادة نسبة الفقر بشكل كبير حتى وصلت إلى 52%، وهذا ما مثّبت لدى المنظمات الدولية».
 
رصد
وأشار إلى «أن هذا الواقع خلق حاجة لدى جميع أبناء المحافظة، لدعمهم من قبل دائرة الحماية الاجتماعية، أما بالنسبة لظاهرة التسول، فلدينا وحدات رصد في الشارع لمراقبة الواقع، وتسجيل جميع الملاحظات، فجزء معين من المتسولين لديهم رواتب من شبكات الحماية الاجتماعية، ونحن في هذه الحالة نقوم بأخذ تعهد خطي بعدم التسول، ومن يخالف التعهد، سوف يتم قطع راتب الحماية الاجتماعية عنه, وهناك بعض من المتسولين يمارسون الحالة عن إدمان، لأنها في الواقع تحقق مردودات مالية كبيرة، أما القسم الآخر فهم حقاً محتاجون وهم فئة مسحوقة» .
ولفت إلى «أن العامل الرئيس الذي يساعد في القضاء على التسول، يكمن في توفير فرص العمل لهذه الشريحة من خلال فتح مشاريع تنموية مهمة، كما يتطلب ذلك أيضاً إدخال المتسولين في دورات تطويرية وتثقيفية، للتعريف بآثار التسول ومضاره على كرامة  الفرد والمجتمع بشكل عام، إضافة إلى تعريفهم وتحبيبهم بالعمل والمردود الاقتصادي للفرد»، مشيراً إلى «أن هذه العوامل كفيلة ببناء إنسان سوي، وسليم، وقادر على تكوين أسرة صالحة».
ونوه بأن «أغلب المشكلات التي نعاني منها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات لجميع وزارات الدولة، وهذا ما لمسناه خلال الفترات السابقة» .
 
غياب قوانين حماية الطفولة
بينما بيّن مدير مركز ذر للتنمية ماجد أبو كلل لـ «الصباح»: «أن مشكلة التسول من المشكلات المعقدة والمتداخلة، والتي لها أكثر من بعد، ومن أهم هذه الأبعاد غياب القانون في بعض المواضيع، وعدم تفعيل القوانين في مواضيع أخرى»، مشيراً إلى «أن أهم ما  مطلوب هو تفعيل قوانين حماية الطفولة، وتحديداً ضمن إطار الأسر التي يتربى أطفالها عند غير آبائهم، مثل حالات موت الأم، وتزوّج الأب، فتكون الزوجة الجديدة قاسية عليهم أو حالات التفكك الأسري، أو حالات الانفصال».
وأوضح أبو كلل «في مثل هذه الأمور، يجب أن تتدخل الدولة بشكل مباشر عبر القوانين، وتحمي الطفل من أي إساءة أو إهمال، وبالتالي تساعد على عدم الضياع في الشارع»، مضيفاً «أن أغلب من يمارس التسول هم  الغجر، إذ كانوا في السابق في أماكن معينة خارج المدن، أما بعد التغيير، ولمجموعة من العوامل المعينة، تم  تغيير أماكنهم، حتى لجؤوا إلى ممارسة مهنة التسوّل بشكل منظم».
 
مسببات
وتابع «أما بعض حالات التسول، فهي تنظّم من قبل جهات أو مافيات منظمة تحصل على أرباح كبيرة وبعد عمليات التحري والفحص، تبيّن أن أغلب هذه الجماعات هي من خارج المحافظة، وتم اتخاذ إجراءات معينة في عموم المحافظة واستطاعت الجهات الأمنية في المحافظة القضاء على أكثر من 90 %، ولكن بين فترة وأخرى نشهد حالات عجيبة من التفنن باستخدام الأساليب
الحديثة».
وزاد القول «أما قسم من المتسولين، فهم من ضمن العمالة الأجنبية، وهذا يرجع إلى بعض الجهات الحكومية، ومنها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تنظيم وجود العمالة».
 
ظاهرة موجودة منذ القدم
من جانبه قال د. غانم نجيب عباس من (كلية التربية للعلوم الإنسانية) لـ «الصباح»: «التسول ليس ظاهرة جديدة على المجتمع العراقي، بل موجودة من زمن قديم، إلا أنها تختفي وتظهر بحسب تراجع المستوى الاقتصادي للمجتمع، ونتيجة للظروف العامة التي مر بها العراق، وخاصة في السنوات الأخيرة فقد بدأت تطفو على السطح بشكل كبير جداً، بل تطور الأمر إلى أن أصبح بشكل منظم تقوده مافيات، وأخذ هذا العمل يحقق أرباحاً كبيرة ومبالغ هائلة»، مضيفاً «أن القائمين على هذه العصابات يستغلون حالات التفكك الأسري والفقر، وغياب القانون عند الأطفال والمعاقين، حتى وصل الأمر إلى الفتيات، واستخدامهن في أغراض غير
أخلاقية».
ونوه نجيب بأن «قسماً من الناس يعتبرون التسول هو أقصر وأسهل طريق للحصول على الأموال»، لافتاً إلى «أن أهم الأسباب التي تنهي هذه الظاهرة من المجتمع، تتمثل بتنشيط الصناعات المحلية التي تستقطب الكثير من البطالة، ودعم القطاع الزراعي، والحفاظ على المعادلة الديموغرافية السكانية بين الريف والمدينة، و توفير الوحدات السكنية، والاهتمام بفئة الشباب، ودعم البطاقة التموينية، ودعم الأرامل، وسن قوانين حماية الأسرة والطفل، والاهتمام بالتعليم».
وأكد أن «هذه الخطوات تحتاج إلى  مبالغ مالية كبيرة، وهنا يجب أن تتم الاستعانة بخبراء اقتصاديين من الجامعات العراقية أو من الدول التي لديها تجارب في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كالصين وكوريا واليابان».
 
سلوك مشين
وبشأن ذلك، يقول إمام جامع الرسول الشيخ اسعد الغزي في حديثٍ لـ «الصباح»: «يعتبر التسول من منظور إسلامي من السلوكيات المشينة التي نهى عنها، وحثّ الفرد على العمل بكل أنواعه للحفاظ على كرامة الإنسان، ولكن بعض ضعاف النفوس، ممن ليست لديهم كرامة أو استسهلوها في البداية حتى أصبحوا غير قادرين على تركها لسهولة الحصول على المال»، منوهاً بأن «الكثير من الناس في مراحل عمرية متقدمة، وهم يكدون ويعملون ويأكلون من عرق جبينهم». 
وأشار الغزي إلى «أن الله تعالى خلق لكل نفس رزقها معها، ومع شديد الأسف أصبح التسول مفتاحاً للفساد والاكتناز»، لافتاً إلى «أن أغلب الذين يمارسون التسول هم من خارج المحافظة، وأنا من هذا المكان، أوجه الدعوة إلى الجهات المختصة للحد من هذه الظاهرة، لما لها من آثار مترتبة على الإنسان والوطن والمجتمع». 
وختم القول: «بأن أغلب المتسولين، يملكون أموالاً طائلة، وقبل أيام توفي متسول في بيته ووجدوا عنده حوالي (75) مليون دينار عراقي، نعم الفقر موجود، لكن ليس بهذا الحجم الذي يصوَّر للعامة».
 
تدريب وإيواء
بينما قال نائب محافظ المثنى سامي الحساني لـ «الصباح»: دعت اللجنة الخاصة بمكافحة التسول والتشرد في المثنى، وزارة العمل والأمانة العامة لمجلس الوزراء لفتح مراكز خاصة لإيواء تلك الشرائح وايجاد آلية خاصة لتدريبهم على مهن معينة لإيجاد فرص عمل لهم. وأضاف الحساني: أن اللجنة عقدت اجتماعاً بحضور ممثلين عن الدوائر المعنية كالشرطة وحقوق الإنسان والتربية لمناقشة ارتفاع ظاهرة التسول والتشرد في عدد من المناطق.
مبيناً أن التوصيات التي أقرتها اللجنة نصت على مخاطبة الحكومة المركزية لإيجاد حل لتلك المشكلة التي تعود لارتفاع نسب الفقر والبطالة في المحافظة فضلاً عن ظروف اجتماعية أخرى.