العراقيون وضمانات الحماية الرقميَّة

علوم وتكنلوجيا 2022/05/12
...

 د. صفد الشمري
 
هل يعي العراقيون، أهمية وجود ضمانات واضحة لحماية البيانات الرقمية الشخصية، من التلاعبات والاختراقات والتوظيف غير السليم، عبر مناهج متعددة، من قوانين ملزمة، توضح هذا الحق بالتحديد، وأنظمة وبرامجيات تعتمدها الجهات المعنية بتنظيم المسار الرقمي العراقي، الى جانب مجهودات توعية المستخدمين المحليين بنظم وأساسيات حماية البيانات الشخصية، وتنمية مهاراتهم الرقمية على العمل بموجبها؟
أخذت التقانات الرقمية تمثل الأدوات الأساسية في المجتمعات المعاصرة في المجالات والمستويات والمناحي جميعها، وأمسى من الضروري أنْ يكون التحول الرقمي الذي ينشده العراقي مصحوباً بقدرٍ كبيرٍ من الوعي المختص، تدعمها مجموعة من القوانين والممارسات الفاعلة لضبط آليات الإفادة من هذه التقانات بشكلٍ أكبر، ذلك أنَّ التطور المتسارع الذي تشهده الظاهرة الرقميَّة، كرَّسَ من مخاطر التعدي على أمن واستقرار الأفراد والمجتمعات، في مقابل تراجع فرص الكشف عن المنتهكين للخصوصيات الرقميَّة، خاصة في البيئات التي لا تكتمل فيها شروط الحماية الرقميَّة، وفي مقدمتها العراق.
تتحدث الوقائع عن تزايد المخاوف بشأن أمن وخصوصية البيانات الشخصيَّة التي يدلون بها بأنفسهم، وقد ترتب على التدفق الهائل للمعلومات في الفضاء الرقمي بأنْ تصبح ملكية تلك المعلومات أشبه بشائعة بعد أنْ كانت ملكيتها خاصة تعنى بالفرد نفسه، أو حتى المؤسسة التي تعود إليها تلك البيانات، إلا أنَّ القلق والخوف من توفير الأمن للأشخاص من المستخدمين العاديين وضمان خصوصياتهم، بات واضحاً بشكلٍ أكبر، إذ إنَّ غالبيتهم ليسوا على دراية كافية بشروط وأهداف معالجة بياناتهم الشخصية من قبل إدارات الوسائط والتطبيقات التي يستفيدون من خدماتها، أو المواقع الإلكترونية التي يقصدونها.
وتشدد الدراسات الحديثة على "ان وضع نظام لحماية البيانات الشخصية في بيئة الانترنت عليه أنْ يراعي طبيعة المخاطر التي يمكن أنْ تواجه المستخدمين عند قيامهم بتصفح الشبكة، لا سيما بعد أنْ أوجد الويب سلسلة من التحديات الجديدة في مواجهة حماية الخصوصيَّة، لا سيما مع بعض المتطلبات التي يتعين على المستخدم بالإدلاء بعدد من بياناته الشخصية من قبيل اسمه وعنوانه وتفصيلات ترتبط بحسابه المصرفي وعاداته اليوميَّة والأصدقاء المقربين من الموثوق بهم وغير ذلك، وعلى الرغم من إحجام الكثير منهم عن الادلاء بمثل تلك المعلومات، إلا أنَّ مخاطر انتهاك الخصوصيَّة تبقى قائمة حين يمكن تدفق تلك البيانات الشخصية البعض من استخدام بيانات البطاقة المصرفية أو سرقة هويَّة الشخص من أجل التشهير به أو تدمير مستقبله المهني أو سمعته".
يمسي هذا كله مدعاة أنْ يهتمَّ العراق، عن طريق أجهزته التشريعية والتنفيذية المختصة بنظام حماية البيئة الرقمية في العراق، وبشكل سريع، بتبني ما يربط بين حقوق الأفراد العاديين، في حماية بياناتهم الشخصية، وبين مديات السماح بمعالجة البيانات والمعلومات والاحتفاظ بها في ظل الفضاء الرقمي المتسع، والعمل بموجب قواعد البيانات الضخمة والذَكاء الصناعي.
إنَّ تعزيز ضمانات الحماية الرقمية للمستخدمين تستدعي قيام الاجهزة التنفيذية الرسمية بإيجاد ما يعرف بـ"الثقافة التعاونيَّة" لأمن البنية التحتية للإنترنت، التي تتضمن تعيين البنية التحتية المعلوماتية المهمة وحمايتها، وتطوير مرونة تلك البنية لشبكة الانترنت عن طريق نشر المعايير الامنية والممارسات الصحيحة، وتيسير عملية تبادل المعلومات وبناء العلاقات بين جميع الجهات المعنية، وتكوين فرق التصدي لحوادث الأمن الرقمي على الصعيد الوطني ودعمها، إلى جانب مواجهة العقبات القانونية التي تحول دون مشاركة المعلومات وإجراء الابحاث المتعلقة بالثغرات الرقمية الامنية والحوادت والتهديدات السيبرانية.
يتطلب توفير البيئة الرقمية الضامنة لخصوصيات المستخدمين في العراق إصدار القوانين وتوفير الأنظمة والبرامجيات، التي تهدف إلى حماية بيانات المُستخدم الشخصية وعدم السماح باختراقها، إلى جانب توفير قواعد وآليات تنمية مهارات المستخدمين الرقمية الشخصية على تدعيم أنظمة الحماية الأساسية بالاعتماد على الوسائل الأخرى؛ مثل تشفير البيانات وخيارات التحقّق بخطوتين وغيرها من الخيارات، بأنْ تكون هناك مناهج تعليميَّة مختصَّة في المدارس والجامعات العراقيَّة، وقيام المؤسسات المعنية بتبني ستراتيجيات في هذا الأساس، وإحداث الأكاديميات المعنية بتطوير المهارات الرقمية على مستوى الدولة.