اختلفت وجهات النظر حول زيارة كبار مسؤولينا إلى الموصل بعد فاجعة غرق العبّارة، فقد ارتأى بعضهم أن على المسؤول أن يجتنب زيارة مواقع الفاجعة، ما دامت الناس هائجة وأن يؤجل ذلك إلى حين هدوء النفوس. لكن ما أراه أن الزيارات كانت إجراءً صحيحاً وجاءت بوقتها المناسب، بالأخص زيارة رئيس الوزراء، لكونه المسؤول التنفيذي الأوّل في البلد، فسلوكه هذا ينمّ عن حرص ومسؤولية، وهو بالضبط ما كان يتطلبه الموقف، له شبيه في كوارث العالم من حولنا؛ الأكثر من ذلك لو تأخر رئيس الوزراء أو لم تتم الزيارة، لرأينا الألسنة تندلع من كلّ مكان، تفيض بكلمات اللوم والتقريع!.
يتجه هذا الكلام إلى زيارة رئيس الوزراء تحديداً، بحكم مسؤولياته التنفيذية عن البلد برمته، وقد يشمل زيارات أخرى ضرورية تمليها حاجات خاصة كزيارة وزير الصحة أو النقل، أو اعتبارات معنوية كما هو حال رئيس الجمهورية والبرلمان، وتبقى أي كارثة مفتوحة للتوظيف السياسي في العراق كما غيره.
بعض ما يستدلّ به المعارضون للزيارات الميدانية المباشرة، ما كان واجهه رئيس الوزراء السابق من موجة صخب وتجاوز على شخصه وموكبه، حين زار الكرادة أثر فاجعة التفجير الرمضاني قبل أكثر من ثلاث سنوات، وما جرى لموكب رئيس الجمهورية والمحافظ في الموصل الآن. برأيي ما واجهه العبادي في الكرادة (وهو اليوم خارج السلطة) وسام شرف على صدره، وقد تحمّل الصدمة؛ وكذلك ما جرى لبرهم صالح، إذ ينبغي للمسؤول أن يتحمّل الصدمات في أجواء الفاجعة، ولا ينكص على التصرف الصحيح.
أجل، هناك من يشغب ويثير الصخب ويسعى للتخريب، وهؤلاء ينبغي رصدهم ومعاقبتهم. وفي العادة إن أصحاب الأصوات المرتفعة والتهاريج، ليسوا هُم المفجوعون، فمن جرب الفاجعة يعرف تماماً أن لأصحاب الفجائع عوضا بفقد الأحبة يشغلهم عن أمثال هذه الصبيانيات والمهاترات والتهاريج!.
تبقى مسألة أخرى ترتبط بزيارة السرّ لعوائل المفجوعين في بيوتهم، وهُم على طول وعرض جغرافية العراق؛ وهذه زيارات لم نعرفها بعد من مسؤولينا، ولم تتحوّل إلى عُرف. وزيارة عوائل المفجوعين إلى بيوتهم من قبل كبار المسؤولين، تسهم في تبديد الأحزان وإشاعة السكينة، إذ لنا أن نتصوّر كيف ينقلب وضع العائلة إيجابياً، وهي ترى رئيس الوزراء أو الجمهورية أو البرلمان أو الوزير وما شابه، داخل منزلها يتبسّط مع العائلة المفجوعة، وهو يصغي ويتعايش ويستمع.
من دون أن نقلل من بادرات كبار مسؤولينا، لنلحظ كيف تعاملت رئيسة وزراء نيوزلندة مع فاجعة المسجدين، وهي تنثر الهدوء والسكينة في كلّ مكان، فعبرت بلادها الأزمة وسط تعاطف عالمي قلّ نظيره!.