العدالة الضريبيَّة والاستقطاع المباشر من الموظفين

اقتصادية 2019/03/24
...

أ.د. محمد حلو داود الخرسان* 
 
 تمثل طريقة الاستقطاع المباشر في فرض وجباية ضريبة الدخل من الطرق المهمة التي يتم اعتمادها في تنفيذ السياسة الضريبية لمعظم النظم الضريبية، وتكتسب هذه الطريقة أهميتها تبعاً” لحجم الشريحة الواسعة من المكلفين الخاضعين لضريبة الاستقطاع المباشر سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وكذلك لأهميتها في تحقيق إيرادات ضريبية مهمة بسبب انعدام عمليات التهرب الضريبي أو انخفاضها إلى حد كبير، فضلاً  عن “تكاليف التحصيل والجباية القليلة جداً”،   ونظراً لتلك الأهمية لطريقة الاستقطاع المباشر فقد أحاطتها التشريعات الضريبية باهتمام يتناسب مع تلك الأهمية، ويتمثل ذلك الاهتمام بإصدار تعليمات خاصة بعملية التنفيذ، إضافة إلى اصل التشريع. 
  إن العدالة معيار ذاتي وقابل للتغيير والتعديل وفقاً لايديولوجيات المجتمع وتقاليده وفلسفة نظام الحكم، وبذلك يصبح النظام الضريبي العادل هو ذلك النظام الذي تترتب عليه معاملة ضريبية يؤمن غالبية أفراد المجتمع بعدالتها، وللعدالة الضريبية مبدأين هما: مبدأ العدالة الأفقية Horizontal Equity  ويقضي بأن تتم معاملة كل الخاضعين للضريبة والذين هم في ظروف اقتصادية متماثلة بمعاملة ضريبية متماثلة، ومبدأ العدالة العمودية Vertical Equity  ويقضي بأن تتم معاملة كل المكلفين الخاضعين للضريبة الذين هم في ظروف اقتصادية غير متماثلة بمعاملة ضريبية غير متماثلة .  حتى يتم تطبيق هذين المبدأين يجب أن نحدد من هم المكلفين المتماثلين وما هي المعاملة الضريبية المتماثلة وغير المتماثلة، بالنسبة للمكلفين المتماثلين، فان معايير الحكم على التماثل بين الأفراد تتمثل بالمنفعة والقدرة على الدفع، ويعني معيار المنفعة إن كل من ينتفع بالخدمات التي تقدمها الدولة عليه أن يدفع الضرائب مقابلاً لهذا الانتفاع، وإذا تساوت المنفعة التي تعود من الخدمات الحكومية على فردين، فيجب أن يعاملا معاملة ضريبية واحدة. أما بالنسبة لمعيار القدرة على الدفع فيعني التماثل بين شخصين من وجهة نظر الضريبة في حالة تساويهما في القدرة على الدفع بافتراض إمكانية قياس تلك القدرة، وهناك إجماع على اعتبار صافي الدخل أفضل معايير التماثل، بحيث يمكن الاعتماد عليه، ويعد انعكاساً معبراً عن الفلسفة الاجتماعية السائدة بين العدالة
 والضريبة.
 إما في ما يخص المعاملة الضريبية غير المتماثلة فتتم معالجتها من قبل النظم المالية من خلال التصاعد الضريبي الذي يستند الى فلسفة اجتماعية تقضي بأن التوزيع الحالي للدخل القومي يحتوي على درجة من التفاوت لا يستسيغها افراد المجتمع، ومن ثم فان الضرائب التصاعدية هي خير ما يعين الحكومة في تحقيق التوزيع الأمثل للدخل، إلا أن هناك مشكلة في الأسعار التصاعدية تتمثل في عدم وجود معيار موضوعي لتحديد درجات التصاعد
 ومداها.   وقد جرت تشريعات الكثير من الدول على التمييز بين الدخل المكتسب والدخل غير المكتسب (إن الأجور والرواتب وما في حكمها تدخل ضمن الدخل المكتسب، بينما يتضمن الدخل غير المكتسب ما ينتج عن اشتراك العمل ورأس المال بالإضافة إلى عوائد السندات وريع الملكية). وهو تمييز يقوم على أساس المصدر الذي ينبع منه الدخل، ويتمثل هذا التميز بوضع عبء أكبر على الدخول المستمدة من رأس المال وعبء أقل على الدخول المستمدة من العمل ، أو تقرر لها مقداراً معيناً من الإعفاء ما لا يتمتع به الدخل غير المكتسب. 
ويعلل ذلك بأنه في حالة الدخول المستمدة من الأموال المادية يمكن استخلاص الدخل الصافي بتنزيل جميع نفقات رأس المال من الدخل الإجمالي ، بينما تفرض الضريبة على الراتب أو الأجر الإجمالي للموظف أو العامل وكأن هذا المبلغ صافي ربح بأكمله دون أن تنزل منه أي مبالغ، لأن الموظف أو العامل لا يستخدم رأس المال من عنده في إنتاج دخله بل يستعمل عمله وحده في الحصول على هذا الدخل، ولهذا لا يوجد ثمة ما يستوجب خصم نفقات من دخله لقاء استهلاك رأس المال بغية الوصول إلى صافي الدخل فدخله الصافي هو دخله
 الإجمالي.
 
* عضو فريق المستشارين في وزارة المالية