مامن شك في ان الموسيقى وسماعها تشكل وسيلة من وسائل الانعاش الروحي لما تحمله من عناصرأيقاظ نفسية الفرد وتجلي للطاقات الانسانية. وقد اعتمدت الموسيقى في دول العالم المتقدمة كدرس أيحائي خاصة للأطفال كأساس بنيوي نحو المستقبل بما تسعه من شمول للنفس البشرية باجوائها الرحبة لتصبح قريبة وتلامس العاطفة البشرية وتناغم الوجدان..اذ لم تعد ترفا ارستقراطيا بقدر ماهي فرصة للتحليق بالروح الى اجواء سماوية تستجلي منها قدرا لابأس به من عوالم البقاء الحي والفعال والارتباط النوعي بالحياة في سموها وقيمها. وبعيدا عن الموسيقى الصاخبة التي لاتمت بصلة الى مايعنيه الهدوء والمعالجة الروحية والتي لاتجد حدود التخيل والارتماء في احضان الطبيعة، بل على العكس تحيل المكان الى نوع من اللامعقول .. فأننا نتحدث هنا عن الموسيقى بنوعها الذي يشد المستمع اليها ويرتبط بها سماعا مهما يملك عليه جوارحه يقلل من أثر الصدمات السلبية . اي بمعنى اخر تعد الموسيقى وقاء معنوي شفاف يخفف من وطاة الصدمات النفسية السلبية خلال مشوار حياتنا دون (انقطاع الصلة الطبيعية القائمة بين الموسيقى وبين العالم الروحي والمادي) كما يشير هجولا يختنتريت، في كتابه ( الموسيقى والحضارة ) الجزء الاول الذي قام بترجمته د. احمد حمدي محمود. لذلك فان هناك صلة ضرورية بين الموسيقى وحياتنا الاجتماعية بمناحيها المختلفة .
كما ان بين الموسيقى وبين تلك الموضوعات الداخلة في مضمار علم النفس السلوكي، كما ان صلتها الوثيقة بين كل من الادب وسائر الفنون لما لها من عمق وصلة وثيقين بها. ولكي لانبتعد او ينقطع سلوكنا الحياتي العام عن ادراك الجمال والشعور بالحياة ولمساتها الانسانية، من اخضاع الاطفال الى نوع من الاستماع الى شيء من الموسيقى حتى يتعلموا كيف يستقبلوا صباحاتهم بنوع من التفاؤل والقيمة الشعورية المتجانسة مع ايقاع الموسيقى لاجل ان يسموا بفكرهم والتسامي الى درجة من اتساع الرؤية الخالية من اي تعصب او عقد نفسية. فعالم الطفولة مرتع خصب لتقريب حب الموسيقى والاستمتاع بها.. ولقد اتجهت المعاهد المتخصصة في العالم كما في المدارس الى تخصيص حصة من بين دروس المنهج التربوي والتعليمي للموسيقى لاشباع الروح وتلبية الرغبة السلوكية بالتعالي عن المتدني من الامور التي تسئ الى الشعور الانساني. وبالتالي من اجل ادراك المشكلات المعقدة وعدم النظر من زاوية الاستحالة لتأكيد الذات باعتبار ان الموسيقى بنسقها الجميل والايقاع المتمثل بروعة تمكنها من الروح الذي يمكننا بالانتقال الى حيث درجات السمو السلوكي والاخلاقي .
شعوريا تعمل الموسيقى على استتباب الاستقرار النفسي وروحيا حينما تشنف الاسماع بنوع من الرومانتيكية المتجلية بأبعادها المتنوعة. أعني هنا الموسيقى التي خرجت عن اطارها ( السلمي ) ان جاز لنا التعبير فقد حدث ما حدث في عالم الموسيقى اليوم من صخب وتجاوز على الذائقة .. والذي لاينتمي اصلا الى واقع الموسيقى عندما تهيئ الاحساس الداخلي للانسان وتجعله مستقبلا للشحنات التي تحرك كوامن النفس بالاتجاه الذي تكون فيه على استعداد للتفاعل الحي مع التغييرات التي تطرأ على الوضع النفسي.
لقد اتسمت طريقة العلاج النفسي بالموسيقى بشكل من اشكال الاقتراب من اداء التمارين الرياضية التي تنشط الذاكرة والفعل الحسي بحيث( اعتبرت الموسيقى تابعة للرياضة وهو تصور يبدو غريبا في نظرنا ، الا انه لايخلو من حقيقة برغم ان الصلة الوثيقة بين الموسيقى والرياضة لاتبدو ظاهرة في العادة ولا تتكشف هذه الصلة الا بعد دراسة عميقة لعلم السمعيات وبعد ألمام بالتاليف الموسيقي وبأشكال الموسيقى) حسب كتاب الموسيقى والحضارة . وكما يؤكد ( يختنتريت ) في كتابه المذكور سلفا.. حيث قدم العديد من الوثائق العلمية التي تثبت صلة الموسيقى بالرياضة كعامل مساعد في بلورة القيمة الروحية والبدنية لاسلوب العلاج بالموسيقى استنباطا من بعض التمارين السويدية للجسم او العلاج لأشخاص يعانون من الاكتئاب والعزلة.
وبهذا تظل الموسيقى ذات ( الرتم) الهادئ احدى سمات العلاج الروحاني في العصر الحديث بعد طغيان ضوضاء المدن وتعقد الحياة المدنية.