تلك هي الهند من السوترات إلى النهضة

آراء 2022/06/22
...

  أ.د. عامر حسن فياض
السوترا هي الأقوال والحكم المأثورة التي تنتمي إلى البوذية وديانات أخرى. وتعد هذه السوترا أول جهد فكري عقلاني ذي طابع غير ديني في الهند،  إذ اعتمدت العقل في تفسير الكون والطبيعة والإنسان. والبوذية عقيدة قال بها (سدهارتا جوتاما) ابن حاكم إحدى ولايات الهند الشمالية حوالي القرن السادس ق. م.، واستهدفت في جوهرها تحرير الإنسان بنور البصيرة. 
وتقوم البوذية، وتعني كلمة (بوذا) الفرد المستنير، وهو اللقب الذي أطلق في ما بعد على مؤسس هذه العقيدة على فكرة جوهرها (أن الحياة ضرب من الألم، وان مصدر الألم هو الشهوة، وان الحكمة هي أساس قمع الشهوات والتحرر من الألم). والحقائق الأربع تتضمنها هذه الفكرة هي :
- الحقيقة السامية عن الألم: الولادة مؤلمة والمرض مؤلم والشيخوخة مؤلمة والحزن والبكاء والخيبة واليأس كلها مؤلمة.
- الحقيقة السامية عن وقف الألم: هي أن نجتث هذه الشهوة من جذورها، فلا تبقى لها في النفوس بقية، وذلك بالانقطاع والعزلة وفكاك الأنفس من كل ما يشغلها من شؤون الحياة.
- الحقيقة السامية عن سبيل وقف الألم: وهي السبل السامية ذات الشعب الثمانية: (سلامة الرأي، سلامة النية، سلامة القول، سلامة الفعل، سلامة العيش، سلامة الجهد، سلامة ما تعنى به، سلامة التركيز).
وإذ طلب المريدون من (بوذا) أن يحدد لهم معنى الحياة السليمة، فقد وضع لهم خمس قواعد أخلاقية يهتدون بها هي بمثابة وصايا البوذية لإتباعها:
- لا تقتل كائناً حياً.
- لا تأخذ شيئا لم تعطه.
- لا تكذب.
- لا تشرب مسكراً.
- لا تقم على دنس.
واعتمدت البوذية التأمل أساسا لسلوك أتباعها للوصول بهم إلى حالة (النرفانا)، وتعني (منطفئ) كما تنطفئ النار او ينطفئ المصباح، وتستخدمها المؤلفات البوذية بمعانٍ متعددة مثل:
- السعادة الكاملة للإنسان في الحياة، باقتلاعه لكل الشهوات الجسدية.
- تحرر الفرد من ألم العودة إلى الحياة (التناسخ).
- اتحاد الفرد من شعوره بفرديته.
- فردوس السعادة بعد الموت.
ويدل مجموع هذه المعاني على إخماد شهوات الفرد والثواب المترتب على ذلك، أما الأدب البوذي فقد اتخذت (النرفانا) معنى دنيوياً، إذ إن وصف القديس بأنه اصطنع (النرفانا) في حياته، يدل على جمعه لسبعة مقومات في هذه الحياة هي (السيطرة على النفس/ البحث عن الحقيقة / الهدوء/ الغبطة/ التركيز/ علو النفس).
وقد شهدت مرحلة الشروح العظمى (500 – 700 م) تبلور جهود حكماء الهند لشرح السوترات، والتي أسهم فيها مفكرو البوذية وإعلامها بدور أساسي، وقد غابت الجهود الفكرية الإبداعية عن هذه المرحلة، إذ غلب عليها طابع الشرح والتعليق على متون النصوص الأصلية.
وبعد هذه المرحلة تمثل أفكار مرحلة عصر النهضة التاسع عشر وحتى اليوم ثمرة لتزاوج الموروث الفكري التقليدي الهندي مع الوافد الفكري الأجنبي، وبدأ فيها مفكرو الهند في تمحيص تراثهم الفكري بالدراسة والترجمة والشرح، وترتبط بدايتها بمساهمات المفكر الهندي (رام موهون روي)، ثم مساهمات (غاندي) و(طاغور) و (راماكرشنا)، الذين أصبحوا أكثر مفكري النهضة تأثيرا في الهند 
الحديثة.