شرط التوازن في حرية التعبير

استراحة 2022/07/06
...

القاضية أريج خليل
شرط التوازن يمكن أن يكون موضوعا يخص كل أمور الحياة وليس فقط حرية التعبير، فهو الشرط الذي يقوم الكون على أساسه، فلولا أن هناك توازنا بين التضاريس الموجبة والتضاريس السالبة في القشرة الارضية، لما حصل توازن الكرة الأرضية، والذي بسببه نحيا بسلام، وإن هذا السلام تحقق لأن مستوى التوازن وصل إلى أعمق نقطة في الأرض، ومن هنا اصبح مفهوم التوازن مرتبطا بالسقوط، فكل من اختل توازنه سقط وهو شرط أن طبقناه على كل أمور الحياة نجده هو الذي سيحقق لنا السلام في كل شي.
 وهناك مقولة أتذكرها دائما (كل ما زاد عن حده انقلب ضده)، مقولة عظيمة لها علاقة وطيدة بشرط التوازن بالحياة، فكل صفاتنا إن زادت عن حدها انقلبت ضدها، فان زاد الحرص عن حده انقلب إلى بخل، وإن زاد الاحترام عن حده انقلب إلى مجاملة، وإن زادت الطيبة عن حدها انقلبت إلى غباء، وكذلك الثقة بالنفس إن زادت عن حدها انقلبت إلى غرور وتكبر، وحتى في علم الاقتصاد، إن زاد استهلاك الفرد لسلعة معينة ووصل إلى حد الإشباع، تناقصت منفعتها حتى وصلت إلى الصفر، فهناك خيط رفيع يربط الشيء بنقيضه، فبمجرد إن زاد عن حده انقلب إلى عكسه، فالصراحة مثلا يربطها بالوقاحة خيط رفيع، فان زادت عن حدها، أصبحت وقاحة، فالاعتدال والتوازن مطلوبان في كل أمور الحياة، فلا إفراط ولا تفريط، ومن الفلاسفة من يقول إن الاعتدال مطلوب في كل شيء، حتى في الاعتدال، ويقول آخر الخروج عن الاعتدال انتهاك لحرمة الإنسانية.
 وفي ممارسة حرية التعبير عن الرأي هذه الحرية الدستورية، التي نصت عليها جميع المواثيق الدولية ودساتير الدول ومنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 فجميع الحقوق والحريات، يجب أن تمارس بالشكل الذي لا يفرغها من محتواها الدستوري، فكل شخص له الحق في أن يعتنق ما يشاء من الآراء وأن تكون له الحرية في التعبير عن آرائه، الا أن شرط التوازن ينهض هنا مجددا في ممارسة هذه الحرية، فإن تمت ممارستها بشكل مطلق فإن ذلك سيؤدي إلى محاذير وقيود كبيرة، لذلك يظهر شرط التوازن من خلال النصوص القانونية، التي تنظم الحريات الدستورية وتضعها في اطارها التشريعي السليم، لأن المغالاة في التعبير عن الرأي سيؤدي إلى اثارة الفتن واخلال الأمن، خاصة بعد أن استجدت آفاق جديدة للتعبير عن الرأي، وهي وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك نحتاج إلى شرط التوازن والاعتدال في ممارسة الحريات العامة بالشكل، الذي يجعل الفرد يمارس حريته في التعبير عن الرأي دون المساس بالحياة الخاصة للأفراد.
 لذا فإن علينا أن نمارس هذه الحرية مثلما نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان وهي اعتناق الآراء دون مضايقة، خاصة أن حرية التعبير عن الرأي تعتبر حجر الزاوية في كل مجتمع ديمقراطي، إلا أنه يجب أن يكون ذلك من خلال ضمان حقوق الآخرين وعدم الاخلال بالنظام العام والصحة والآداب العامة والأمن الوطني، ومثلما يجب أن نلتزم بشرط التوازن في ممارسة حرية التعبير، يجب أن يتم الالتزام به في تقييد هذه الحرية، بحيث يظل مبدأ الحرية هو القاعدة ويظل التقييد هو الاستثناء، وبذلك فان اعتماد مبدأ التوازن في ممارسة حرية التعبير عن الرأي، سينقي المجتمع من الافكار المدمرة وسيؤدي إلى بناء سياسة معتدلة بين أفراده، بعيدا عن التناقض والتطرف فكل ما زاد عن حده انقلب ضده.