تلاميذ الاحتياجات الخاصة.. بلا مدارس ولا معلمين

ريبورتاج 2022/07/06
...

   بشير خزعل 
   تصوير: نهاد العزاوي
عندما يتعلق الأمر بأطفال وتلاميذ في سن الدراسة الابتدائية مصابين بأمراض مختلفة كالصم والبكم والتوحد وباقي الأمراض النفسية الأخرى، التي تشكل عائقاً إدارياً في قبولهم بالمدارس ورياض الأطفال، ينحى الجانب الإنساني عن المؤسسات الحكومية في التعامل مع مثل هذه الحالات في أحيان كثيرة، فلا وجود لمعلمين ومدربين متخصصين في المدارس الحكومية، ولا حتى في مدارس القطاع الخاص التي لا تجازف بمثل هكذا مشاريع لافتقارها إلى الخبرات العلمية المتخصصة في تعليم هؤلاء الأطفال، آلاف الطلبة من تلاميذ المدارس الابتدائية من ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال دون سن الدراسة، عانوا خلال سنوات سابقة من عدم إكمال تعليمهم الأولي في المدارس الابتدائية أو رياض الأطفال بسبب العوائق الإدارية التي حالت دون التعامل معهم من جانب إنساني في نواح كثيرة. 
 
سوء الحال
في منطقة الطالبية ببغداد كانت والدة الطفل عبد الله تعاني لأشهر وهي تسعى لإدخال طفلها (المصاب  بالتوحد) في إحدى المدارس الابتدائية التي كانت ترفض قبوله بحجة عدم الفائدة من جلوسه كمستمع لا يستطيع النطق، ويمضي وقته من دون فائدة، و نصحتها إحدى مديرات المدارس بأن تتولى تعليمه في مدرسة خاصة على حسابها الخاص، فمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة لا توجد في أغلب الأحياء السكنية، بل يقتصر وجودها على مناطق تكاد تكون مركزية، وهي أيضاً لا تستطيع أن تستوعب جميع التلاميذ المعاقين الذين يحتاجون إلى عناية خاصة ومعلمين متخصصين في مجال التعليم الخاص للمصابين بأمراض نفسية، تقول زينب جبار الموظفة في وزارة الصحة: ابني مصاب بالتوحد لكنه يسمع ويفهم ما يطلب منه، ولكونه غير قادر على الكلام، لم ترض بعض المدارس الابتدائية قبوله إلا بعد الحصول على موافقات وزارة التربية، وبعد بدء عامه الدراسي الأول في العام2016 ولغاية وصول أقرانه للصف السادس الابتدائي رفضت إدارة المدرسة دخوله للمدرسة، وذهبت جميع سنواته الأولى هباء، برغم تمتعه بذكاء حاد، وأضافت: بعد أن يئست من تسجيله في أي مدرسة اصطحبه والده للعمل معه في ورشة نجارة يملكها، لكنه فقد الكثير من مهارته الكلامية وزاد انعزاله عن العالم المحيط به، وأصبح  منزوياً  في البيت ويطلب ما يريده بالإشارة المصحوبة بالصراخ أحياناً. 
 
حلول جزئية
أستاذ علم النفس في جامعة بغداد الدكتور عبد الرحيم السراي أشار إلى غياب التخطيط والدراسات المستقبلية المعمقة التي يمكن أن تعالج مشكلات المجتمع في ما يخص الوضع التعليمي للأطفال المصابين بأمراض التوحد، فأغلب الحلول أصبحت جزئية ولعبور مرحلة محددة، ولطالما عانى التعليم على مدى سنوات طويلة من مشكلات وتراكمات كثيرة لم تستطع الحكومات المتعاقبة  معالجتها بشكل جذري، فإذا كان تعليم الأصحاء يعاني من معوقات كثيرة، فكيف بتعليم أصحاب العاهات والمعاقين؟. وبين السراي أن معالجة التعليم بجميع مفاصله ليست أمراً مستحيلاً أو صعباً، وكل ما يحتاج إليه هو بعض الخطوات التي يمكن تنفيذها بتقنية ومشورة من تجارب أجنبية متطورة وعلى مراحل، موضحاً أن مدارس المعاقين ذهنياً والمتوحدين في دول أجنبية وعربية لا تقل شأناً عن باقي المدارس الأخرى ويتخرج منها الطلبة إلى المعاهد والجامعات ليندمجوا في الحياة بشكل طبيعي من دون أن يصبحوا عالة على أسرهم او مجتمعهم، ودعا السراي إلى بناء مدارس خاصة في رقع جغرافية تكون مناسبة، وتبنى حسب إحصائيات دقيقة لأعداد المعاقين في تلك المناطق، فهناك بعض المدن والأحياء تحوي أعداداً قليلة من الأطفال المعاقين ولا تستوجب وجود مدارس خاصة، بل تنتفي الحاجة بوجود صفوف ضمن المدارس الاعتيادية وبوجود مدرسين مختصين بعلم الإشارات او محاكاة البطيء التعلم والمصاب بالتوحد.
 
أذكياء
المدرس احمد المرسومي مختص بتدريس الطلاب المصابين من ذوي الاحتياجات الخاصة بيّن: أن الطلاب المصابين بالتوحد يتمتعون بذكاء غير اعتيادي وقدرة  كبيرة على حفظ الأشياء بتركيز عالٍ يختلف عن الطلاب الأسوياء، لكن المشكلة التي يعانون منها هي صعوبة النطق وفهم ما يريدونه حسب مزاجهم، وأضاف: خلال ثلاث او أربع سنوات تحسن أداء الكثيرين منهم وصاروا يتحدثون بكلام مفهوم، لكن ليس جميع المصابين تتوفر لهم فرص الدخول في مدارس يوجد فيها معلمون متخصصون في هذا المجال، الأمر الذي يضطر الأهالي إلى ترك تعليم أطفالهم في المدارس بسبب مشكلات كثيرة يواجهونها بسبب الإهمال وتنمر باقي التلاميذ عليهم ومضايقتهم. 
 
مفردة تؤدي إلى حرمان
قبل أكثر من 6 أشهر تقريبا أدى استبدال وزارة المالية لمفردة وردت في قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، تتعلق بمخصصات المعلمين، إلى حرمان الآلاف من تلاميذ هذه الفئة من التعليم، وتسربهم من المدارس، وحسب وزارة التربية  فإن «القانون رقم 38 لسنة 2013 تنص المادة 15 منه على: (توفير الملاكات التعليمية والفنية المؤهلة للتعامل مع التلاميذ والطلبة ومنحها المخصصات المهنية المطلوبة ومن مرحلة الطفولة المبكرة)، إلا أن هذه المادة لم تطبق ولم تعطَ حقوق معلمي تلك الفئات، واستبدلت وزارة المالية - لغرض عدم إقرار القانون - مفردة (المخصصات) بمفردة (خطورة)». وأضافت أن «وزارة التربية رفعت كتاباً إلى وزارة المالية لتطبيق القانون المغيّب منذ عام  2013، وجاء الرد قبل ثلاثة أشهر معللاً عدم صرف المخصصات تحت بند الخطورة الذي لم يذكر في الموازنة أصلاً». وبسبب عدم منح الحقوق التي نص عليها القانون لمعلمي هذه الفئة؛ اعتذر الكثير منهم عن إكمال مهمتهم في التربية الخاصة وهي في الأصل تخصصات نادرة وقليلة جداً، وكذلك هناك مشكلة أخرى تواجه التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ بدأت المدارس تتوسع في صفوفها على حساب صفوف التربية الخاصة المهملة أصلاً. 
 
معاملة خاصة
وزارة التربية أوضحت أن الطلاب في مرحلة الصف الأول الابتدائي ممن يعانون من ضعف في السمع أو البصر أو طيف توحد متلازمة (داون)، يحالون إلى لجان موزعة بين جانبي الكرخ والرصافة، فإذا تم تشخيصهم على أنهم من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة يحالون إلى صفوف المشمولين بالتربية الخاصة، وبحسب المراحل العمرية، من (6 - 9) سنوات أول ابتدائي، ومن يتجاوز التسعة أعوام يحول إلى اليافعين أو التعليم المسرع، إذ لا يمكن وضعهم وهم كبار بالعمر مع الصغار لأسباب اجتماعية واضحة للعيان». فهؤلاء التلاميذ بحاجة إلى خطط فردية ومعاملة خاصة، وبينت الوزارة أن عدد معلمي ذوي الاحتياجات الخاصة للعام الماضي يبلغ (1710) معلمين، وعدد طلاب التربية الخاصة للعام الماضي فقط (15707) تلاميذ. 
 
لجان مشتركة
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شكلت لجاناً مشتركة مع وزارة التربية لاختزال 
المناهج الدراسية للمعاقين الصم والبكم، بما يتناسب مع قدراتهم، واستحصلت موافقة وزارة التربية على الاعتراف بشهاداتهم للابتدائية والمتوسطة في حال اجتيازهم امتحانات البكالوريا.
 إذ تعمل دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة في الوزارة بموجب قانون الرعاية الاجتماعية رقم 26 لعام 1980، على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل المعاقين بدنياً وذهنياً وكذلك الأيتام والمسنون، إضافة إلى دور الحضانة. واستطاعت الدائرة أن تحقق إنجازات كبيرة لهذه الشرائح، منها أن الأطفال المعاقين الصم والبكم، كانوا سابقاً عند وصولهم إلى الصف السادس الابتدائي، لا يمكنهم اجتياز امتحان البكالوريا، كون وزارة التربية لا تعترف بشهاداتهم طيلة الأعوام الستة الأولى، سواء في مدارسهم الخاصة او العامة لعدم أهليتهم العقلية والبدنية.
 وبعد صدور قانون هيئة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، استحصلت الدائرة موافقة وزارة التربية على اجتياز ذوي الإعاقة لامتحان البكالوريا للمرة الأولى خلال العام الدراسي المنصرم، وحققوا نسب نجاح عالية جدا وصلت في بعض المحافظات إلى
 100 %، الأمر الذي دعا الدائرة إلى تعيين عدد من المعلمين والمدرسين في الدور التابعة لها لتدريس الشريحة المذكورة، بما يشبه الدروس الخصوصية.