توزيع العائدات النفطيَّة .. حُلم العراقيين المؤجَّل

ريبورتاج 2022/07/18
...

   قصي الطيب
"هذا هو منزلك، وتأمينك الصحي، وضمانك الاجتماعي، وراتب شهري يكفيك مؤونتك، وما عليك إلا أن تملأ هذه الاستمارة ليتسنى لنا خدمتك شكراً لك".  ليس هذا إعلاناً تجارياً أو خدمات مدفوعة على السوشيال ميديا أو مراكز الإعلانات المتعددة، ببساطة هذه هي حقوق الشعوب في أغلب أصقاع الأرض، تقابلها واجبات كفلها الدستور، نظام عالمي سائد تضمنه حتى أفقر دول العالم اقتصاداً، توزيع العائدات النفطية، الاستحقاق الملغى على العراقيين طيلة عقود عديدة، فلا الدكتاتورية التي طوت العراقيين ردحاً من الزمن كفلت ذلك، ولا العلمانية ولا غيرها من التسميات التي حكمت البلاد، استطاعت أن تحل هذا اللغز الذي بقي يبتز مشاعر الجياع وأرباب الأسر، جيلا بعد جيل، رغم تثبيته مادة واضحة في جميع الدساتير العراقية، لكنه بقي ويبقى عدالة اجتماعية مؤجلة إلى أجلٍ غير مسمى.
40 % نسبة الفقر
لم يكن العراق في بداية القرن الماضي، قد اكتشف نفطه الخام بعد، إذ كان معتمداً على الزراعة بنسبة 30 % من حجم الناتج المحلي للبلاد، ورغم ذلك كان يتمتع ببنية قوية تعزز اقتصاده الوطني، وبعد اكتشاف (الذهب الأسود)، وكميات ضخمة من المعادن في الصحراء الغربية والغاز الطبيعي والغاز المصاحب وحتى الأراضي الصالحة للزراعة، بات يرزح نحو 40 % من العراقيين البالغ تعدادهم أكثر من 40 مليون نسمة تحت مستوى خط الفقر، بحسب تقرير للبنك الدولي في عام 2020. 
وتوقعت وزارة التخطيط العراقية، ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 25 بالمئة، بينما اعتبرت أن إقرار قانون الأمن الغذائي والتنمية سيعالج هذه المشكلة من خلال التخصيصات المالية.
 
خمسة آلاف دولار لكل فرد
بينما يقول الاقتصاديون إنه "كلما ازداد عدد نفوس الدولة قلّ نصيب الفرد من الدخل السنوي، وهذا ما يفسر تقدم دول صغيرة وتراجع دول كبيرة. 
فالناتج المحلي الإجمالي لأي دولة يُقَسّم رياضياً ونظرياً على مجموع السكان، وهو يوضح مدى ازدهار الدولة، وفقاً لحصة كل مواطن من الدخل، لذلك فإن الولايات المتحدة التي تحتل المركز الخامس في جدول الناتج المحلي الإجمالي والبالغ نحو عشرين تريليون دولار، تحسب للمواطن منه نحو 63 ألف دولار سنوياً، أي في حدود 5 آلاف دولار شهرياً، أما في العراق وبحسب وزير التخطيط العراقي خالد بتال، فإن حصة المواطن العراقي سنوياً هي خمسة آلاف دولار، أي أكثر من 416 دولاراً شهرياً، من ضمنها استقطاعات الدولة من خدمات وغيرها.
ويقول القانوني طارق الشويلي : إن "مشروع إعادة توزيع الثروة بين الشعب حسب ما جاء في المادة 30 التي تكفل الضمان الصحي والضمان الاجتماعي وضمان العيش الكريم، وتوفير الدخل والعيش المناسبين، حق كفله الدستور العراقي، وكذلك المادة 111 من الدستور تؤكد أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي في الأقاليم والمحافظات وكذلك ديباجة الدستور التي تضمنت إعادة توزيع الثروة بين الشعب". 
بينما يتوقع باحثون في الشأن الاقتصادي، إقبال العراق على انفجار سكاني خلال السنوات المقبلة مع زيادة مضطردة بأعداد النفوس في بلد لا يزال يعتمد على إيرادات بيع النفط لتمويل ما يصل إلى نحو 95 بالمئة من النفقات.
 
اللعنة الأزلية
النفط الخام بدأ يسيطر على جميع موارد الدولة منذ اكتشافه، ولغاية الآن صار "اللعنة الأزلية" على الشعب العراقي، خصوصاً أن الحكومات المتعاقبة على البلاد لم تضع أي بدائل اقتصادية، في حين أن الكثير من دول العالم بدأت بمغادرة النظام الريعي والذهاب تجاه اقتصاد السوق المفتوح أو الاقتصاد الزراعي والصناعي، هذا ما يردده الاقتصاديون، في جميع المحافل والمؤتمرات، ولا خطط موضوعة ترقى بواقع البلد المتردي المنهك.
وقد رجح تقرير صادر عن الأمم المتحدة قبل عامين، ارتفاع نسبة الفقر في العراق بين سبعة و14 بالمئة، بعد قرار الحكومة العراقية بخفض قيمة الدينار وما رافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، ويؤكد التقرير، الذي اشتركت في إعداده منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، أن قرار خفض قيمة العملة المحلية سيؤدي على المدى القصير إلى زيادة أعداد الفقراء في البلاد بين 2.7 مليون و5.5 مليون عراقي، وأن هذه الأعداد ستضاف إلى نحو 6.9 مليون عراقي موجودين أساساً قبل اندلاع أزمة جائحة كورونا.
 
انفجار سكاني
ووفقاً لتقديرات وزارة التخطيط، فإن عدد سكان العراق بلغ 41 مليوناً و190 ألف نسمة في 2021، مرتفعاً من 40 مليوناً و150 ألف نسمة في العام السابق له. 
وتشير توقعات جهاز الإحصاء المركزي التابع لوزارة التخطيط، إلى أن عدد سكان البلاد سيصل إلى 50 مليوناً و200 ألف نسمة بحلول عام 2030.
وتثير هذه التوقعات مخاوف الباحثين في الشأن الاقتصادي من أن العراق مقبل على انفجار سكاني قد يخلف الكثير من التداعيات السلبية على اقتصاد البلاد والوضع المعيشي للسكان. وهذه المخاوف مدفوعة بالواقع الاقتصادي للبلد الذي يعتبر ريعياً ويعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات بيع النفط لتأمين نفقات الدولة، مع تداعي وتهالك جزء كبير من البنى التحتية للخدمات العامة والقطاعات الحيوية، مثل الصناعة والزراعة بفعل عقود من الحروب وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
ويقول محمد الناصري، مدرس متقاعد: إن "توزيع جزء من العائدات النفطية بين الشعب العراقي، لا بد أن يكون محتّماً، فهو ملك لهم، وهو حق طبيعي، وربما يُعد الحل الوحيد لتجاوز الأزمات، وللقضاء على الفقر والبطالة، فالشارع يئن وجعاً وفاقةً، وتوزيع الثروات بين هذا الشعب المظلوم، سينهض بالبلد ويحقق الاستقرار"، ويشاطره الرأي عدنان حسين، خريج كلية القانون، "بأنه حان وقت التفكير بفئات الشعب المحرومة، خصوصاً أنهم للأسف في ازدياد مستمر، ولا أعتقد أن تخصيص سنتات معدودة عن كل برميل نفط، وتوزيعها بين فئات الدخل المحدود، أمر صعب أو مستحيل، خاصة أننا نمر بوفرة مالية كبيرة ولله الحمد".
بينما يدعو الناشط المدني أحمد الحسني الحكومة المقبلة، "إلى تبني مشروع توزيع العائدات النفطية كونها حقاً مشروعاً للشعب العراقي، عبر تنضيج هذا المشروع والشروع بدراسته وتنفيذه بأقرب وقت ممكن، لما له من أهمية كبيرة في تحقيق العدالة الاجتماعية وتخليص البلد من آفة الجريمة والمخدرات".  
كلمة أخيرة.. الاقتصاد عصب الحياة، والفقر في بحر عائم من الخيرات والثروات، أمر في غاية الأسى، وأجزم قاطعاً، بأن ثمانين بالمئة من مشكلات هذا البلد ستنتهي فور البدء بتنفيذ هذا الحق الشعبي والاجتماعي، والذي سيحقق الرفاه والازدهار وتمتين الأواصر المجتمعية وفقاً لمبدأ الحقوق والواجبات بأتم وجه وأبهى صورة، الشعب بأكمله ينتظر من يحقق حُلمه الضائع، فهل من مجيب؟.