كيف نبني تقاليد مهرجاناتنا السينمائيَّة؟

ريبورتاج 2022/07/24
...

  صفاء ذياب
على الرغم من أن العراق يشهد نهضة سينمائية من خلال أفراد عُرفوا عربياً بنتاجهم الفني، وحصدوا جوائز دولية، من أمثال مهند حيّال ومحمد الدراجي وعلي محمد سعيد وعدي رشيد وآخرين، غير أن ما يحدث داخل العراق بعيد عن هذا الفن، لا سيّما أن المؤسسات الحكومية غير معنيّة بشكل أو بآخر بهذا الفن، حتى وإن حصل بعض السينمائيين على دعم ما، أو دعمت وزارة الثقافة مهرجاناً هنا أو هناك، غير أن هذا كله لا يبني تقاليد تمكّننا من إنتاج سينما عراقية حقيقية.
 
وربّما ما يدلُّ على قولنا هذا المهرجانات السينمائية التي تقام في بغداد أو البصرة أو أربيل أو غيرها من المدن العراقية، ولوحظ في الفترة الأخيرة تسمية مهرجانات بأسماء أشخاص بعيدين كلّ البعد عن الثقافة عموماً وعن السينما على وجه الخصوص. وهنا نطرح تساؤلاً مهمّاً: ما مدى جدّية ظاهرة المهرجانات السينمائية في المحافظات العراقية وجدواها، ولماذا نقوم بتقليد المهرجانات العربية والعالمية بفجاجة، في حين أنَّ مهرجاناتنا لا تتعدى أن تكون منتدى بسيطاً في مدن متهالكة، في الوقت الذي تقام المهرجانات العربية والعالمية في مدن سياحية ذات جذبٍ عالٍ للسياحة والفن معاً؟.
 
الخبرة الناقصة
يرى الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد أنه أسوة بالاستسهال وانعدام المسؤولية الثقافية والأخلاقية الذي تسيّد العديد من فعالياتنا الفنية، تصرُّ المهرجانات السينمائية المحلية التي تقام في عدد من المحافظات على طابع الرثاثة والبهرجة الفارغة والمجاملات والأداء الإعلامي الكاذب، مهرجانات تقيمها جهات أو منظمات ليس لها أدنى علاقة بالشأن السينمائي وتجهل آلية عمل المهرجان السينمائي واشتراطاته وتصنيفاته للعروض والجوائز وغيرها من المسائل الفنية التي يكون لها مستشارون متخصّصون في المهرجانات الرصينة، والأدهى من ذلك أنَّ جلَّ تلك المهرجانات يطلق على نفسه توصيف (الدولي) وكأن مشاركة فيلمين أو ثلاثة من هذه الدولة أو تلك تعني أن المهرجان أصبح دولياً وسيحضره كبار نجوم السينما في الدورات المقبلة. 
مضيفاً: لماذا يصر أصحاب هذه المهرجانات على الأوهام والكذب والتسطيح والاستخفاف بالجمهور؟ فضلاً عن ذلك تغيب عن هذه المهرجانات التي تقام في مدن ليس فيها صالة سينما أبسط ضوابط العمل المهرجاني، فلا تراعى سنوات إنتاج الأفلام المشاركة ولا تصنيفاتها فيختلط الجديد بالقديم والمحلي بالعالمي إذا ما توفّر.
ويبيّن جهاد أن البديل عن ضياع وتشتّت هذه الجهود هو أن يكون في العراق مهرجان سينمائي منتظم يستقطب أصحاب الشأن وذوي الخبرة لرسم مساراته الصحيحة. فالمهرجانات السينمائية الجيدة والمحترمة لا تصنعها النوايا الحسنة، إنَّما الخبرة والأمانة.
 
آليات التنظيم
في حين يبيّن الناقد السينمائي الدكتور فراس الشاروط أنه في بلد غاب عنه فعل السينما الحقيقي لسنوات، فإنَّ وجود مهرجانات سينمائية بعد ذلك يعدُّ حالة صحية وانتعاشاً للسينما وعودة لدور العرض والمشاهدة، ذلك يبدو خيراً، لكنَّ الذي حدث أنَّ العملية أصبحت تكراراً، في كل مكان مهرجان يشبه سابقه، وحتى الأفلام هي نفسها تطوف من محافظة إلى أخرى، وليس هنالك من جديد، من ناحية أخرى تفتقر هذه المهرجانات إلى الخطّة الفعلية الحقيقية كي تكون مهرجاناً صحيحاً، ومن النادر أن تجد تنظيماً جيداً، هذه المهرجانات لم تكلّف نفسها أن تصدر دورية ترافق الحدث، أو تصدر كتاباً أو كتابين سينمائيين محترمين، لم تقم بورش على الهامش، ولم تعمل ندوات، ولم تعقد جلسات نقدية، ومن ثمَّ غياب سمة السياحة للمكان الذي يقام فيه، وتكرار الوجوه الحاضرة نفسها. إنَّنا أمام مشكلة إن لم ترسم للمهرجانات آلية وقانون منظم يلزم القائمين على المهرجان العمل عليه من أجل سمعة البلد وسمعة المهرجان نفسه.
 
استثمار السينما
وبحسب المخرج السينمائي علي محمد سعيد، فالمهرجانات السينمائية في العراق لا تعد كثيرة إذا ما قارناها بدولة مثل المغرب التي تقيم أكثر من 150 مهرجاناً سينمائياً كلَّ عام، المفارقة أنَّ أغلب تلك المهرجانات المحلية لا تعدو أن تكون "ملتقيات" تعقد في قاعات غير مجهّزة للعرض السينمائي من ناحية جودة الصورة ونظام البث وأجهزة الصوت المستخدمة وهي عوامل تقضي على "المتعة" و"الإبهار البصري" الذي توفّره صالات العرض الاحترافية في المهرجانات الرصينة، هذا الأمر ينطبق على أغلب "المهرجانات" سواء التي تعقد في العاصمة بغداد أو في المحافظات بشكل عام، مع استثناءات معدودة في اقليم كردستان حيث تقام مهرجانات تستوفي الاشتراطات العالمية.
اللافت أنَّ تلك المهرجانات لا تراعي الحدّ الأدنى من الضوابط التي تحكم المهرجانات الدولية، ومعظمها لم تستطع أن تتحوّل إلى بوّابة لسوق إنتاجية تحتكم إلى العرض والطلب، كما أنَّها عجزت عن تقديم نفسها كمنصّة لعرض الأعمال المميّزة التي يمكنها أن تصقل السينمائي وتفتح آفاقه وتضيف له الخبرات، وتربطه بأصحاب العلاقة من السينمائيين الذين يستضيفهم المهرجان، ولم تخلق سوى حركة سينمائية "هزيلة" وغير فاعلة، إذ تحتكم أغلب المهرجانات إلى العلاقات الشخصية والمنافع المتبادلة في الدعوات، وتفتقر إلى الإدارة الذكية، فنادراً ما تجد مهرجاناً يؤسّس صناديق لدعم إنتاج الأفلام، لا سيّما للمخرجين الشباب أو يقيم ورشاً في صناعة الفيلم ضمن فعاليات المهرجان أو يطبع كتاباً يعنى بالشأن السينمائي.
ويزعم سعيد أنَّ الطريق الأقصر للاستفادة من المهرجانات هو فتح الأبواب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية والشراكة مع مهرجانات كبرى وتفعيل ثنائية الإنتاج/ التسويق بهدف دعم الأصوات الواعدة والبحث عن تمويل يخلص صانع الفيلم من بيروقراطية الدولة وشروطها التعسفية والتعجيزية. 
 
عروض مكررة
ويؤكّد المخرج السينمائي مهند حيّال أنه من الصعب إطلاق تسمية مهرجان سينمائي على تلك الفعاليات السينمائية، ببساطة لأنَّها تفتقد إلى شروط المهرجان السينمائي، المهرجان ليس عروض أفلام ولقاءات فنية فقط، المهرجان السينمائي هو سوق سينمائية كبيرة يتمُّ من خلالها عقد شراكات بين مختلف شركات دول العالم وأيضاً تواجد منتجين وخبراء يسهمون في تطوير المشاريع السينمائية، "لم أشاهد مهرجاناً سينمائياً واحداً استطاع جلب أفلام عربية أو عالمية مهمّة في عرضها الأوّل أو الثاني أو الثالث أو الرابع حتّى، مع الأسف يتمُّ اللجوء إلى مواقع معينة وجلب عدّة أفلام منها متوفر ويتمُّ عرضها بدون دعوة مخرجيها أو كتّابها لا سيّما أنَّ تلك الأفلام مضى وقت طويل على إنتاجها، فضلاً عن أنَّ هناك مهرجانات ليس لديها موقع الكتروني! يمكن توصيف ما يحدث بأنَّه فعّاليات سينمائية يتمُّ دعوة أشخاص محدّدين لها ولا تقدّم شيئاً ملموساً من أجل تطوير سينما البلاد".
 
استهانة
ويكشف المخرج السينمائي بشير الماجد أن هناك خطأ كبيراً في فهم ماهيّة المهرجان السينمائي، البعض يعتقد أنّه مجرّد عرض بعض الأفلام ووقوف القائمين على المهرجان أمام الكاميرات لالتقاط صور تذكارية مع النجوم وهم يقدّمون الجوائز! دون الأخذ بنظر الاعتبار نوعية الأفلام المشاركة وأهمّيتها وصانعيها من مخرجين وممثّلين ومدراء تصوير ومؤلفين للموسيقى، المهرجانات السينمائية تعتمد بالدرجة الأساس على نوعية الأفلام المشاركة بوصفها جهة تسويقية من ناحية، وصاحبة السبق في العرض الأوّل لبعض الأفلام ممَّا يشكّل استقطاباً نوعيّاً لصنّاع السينما، وحين يتمُّ التغاضي عن ذلك سيولد جمهور محدود الاهتمام والخبرة سواء على صعيد الخبرة العلمية أو التلقّي، كذلك موضوع اختيار المكان لإقامة أيّ مهرجان يجب أن يشترط على جانب سياحي مغرٍ، يشجّع على التسابق للحضور، وتحقيق قدر عالٍ من الاهتمام بنجوم المهرجان من خلال كسب أعداد كبيرة من الجمهور الذي يقتنص الفرصة لمشاهدة أفلام لا يستطيع مشاهدتها خارج برنامج المهرجان، لذا نجد أن أغلب ما يطلق عليه مهرجان سينمائي في العراق هو عبارة عن مناسبة شبه رسمية لالتقاط الصور وتناول وجبات الطعام بانتظام مفرط من قبل الضيوف، الذين لا يجرؤون على انتقاد المهرجان لضعف بنائه، خوفاً من حرمانهم من الدعوة لدورة مقبلة، وفي العادة تتكرّر في المهرجانات العراقية ذات الوجوه والأسماء، ممَّا يتوجّب على هؤلاء الضيوف مدح المهرجان والتغاضي عن أخطائه الكارثية التي لا تنمُّ حتماً عن خبرة في إقامة محفل عالمي كبير كهذا، وبعض القائمين على تلك المهرجانات لم تسبق لهم المشاركة حتّى بمهرجانات مجاورة، فضلاً عن العالمية، وهناك ممّن يقيمون مهرجاناً سينمائياً ليحصلوا على مبلغ ليس بقليل من خلال دعم جهات عديدة مَا يشكّل لهم دخلاً سنويّاً ممتازاً، وإن كان الحضور في قاعة المشاهدة عبارة عن شخص واحد، وهذا استهانة بضوابط وشروط ومتطلبات أي مهرجان سينمائي ممكن أن يقال عنه بأنّه مهني.
وفوق هذا كله، فإنَّ أصحاب المهرجانات العراقية يتبادلون الدعوات فيما بينهم ويهتمون بدعوة رؤساء المهرجانات العربية لتحقيق دعوة مستقبلية لهم بصفتهم لتلك المهرجانات، أمّا في ما يتعلّق باختيار المكان فلا ضرورة له عندهم، فقد يكون راعي المهرجان يسكن مدينة لا تشكل إغراءً للحضور من حيث أهميتها السياحية أو التاريخية.