كلام في السينما

الصفحة الاخيرة 2019/04/05
...

حسن العاني 
كان الامر حدث بالأمس مع إنه يعود الى العام الدراسي 1960 /1961 وأنا طالب في اعدادية الكرخ – المرحلة الاخيرة، حيث كنت أهرب من الدوام مع صديقي وابن مرحلتي الدراسية وزميلي في (الصف)، المرحوم عصام عبد الرسول، ولم يكن الزوغان من الاعدادية قضية بسيطة، فهناك مئة حيلة ووسيلة نلجأ اليها، والهدف من وراء هذه المجازفة التي لا تخلو من مخاطر زيادة على ما تعنيه من آثار علمية سيئة، هو اللحاق بالفلم الذي ستعرضه سينما (بغداد – او قدري) باسم صاحبها ضمن عروضها الصباحية المعروفة بالدور الاول، وكنا مع كل فلم جديد نُقْدِم على تلك المجازفة، وبعد ذلك لاحياء من الاعتراف بأن مقاعد (الاربعين فلس) وهي أرخص مكان في السينما يلجأ اليه الجنود المجازون أو (الافرارية) والعمال والشقاوات والحرامية والطلاب الهاربون من مدارسهم!!
كانت سينما قدري في (علاوي الحلة) – جانب الكرخ، واحدة من اشهر دور العرض التي تغطي المحلات السكنية الكرخية المحيطة بها، الى جانب محلات اخرى ومدن من خارج بغداد، وقد عرفت منذ طفولتي المبكرة كما عرف ابناء جيلي هذه الدار بحكم سكني القريب منها متنقلاً ما بين الرحمانية والجعيفر، وكانت الافلام العربية وافلام طرزان والملاك الطائر والعصابات والمسدسات والعنتريات، ترضي مرحلتنا وعقولنا، ويوم بلغنا مرحلة الشباب، نضج وعينا، وتطورت ذائقتنا الفنيّة، وبتنا نبحث عن الفلم الذي يطرح قضية تستحق التأمل وتثير الجدل وتمنح المتعة، مثلما تطورت في الوقت نفسه دور العرض السينمي، بعد دخول اكثر من سينما جديدة أكدتْ عبر اختيارها للأفلام، وعبر بنائها المعماري واثاثها وتقاليدها، إنها تؤسس لمفاهيم حضارية متقدمة.
في عام 2013، ذهبت الى قاعة خليل شوقي، حيث يلقي الدكتور سعد الامير محاضرة حول اسباب تراجع دور العرض، والوسائل التي يمكن ان تعيد الحياة لهذه النوافذ الثقافية المهمة، وقد اثار الرجل (وهو ناقد فني كبير) إعجاب الحاضرين، وهو يقدّمُ سرداً تاريخياً ورقمياً عن نشوء السينما وبداياتها واعدادها وأول دار عرفتها العاصمة، وابرز الاحداث التي شهدتها.. ثم تحدث عن بدايات التراجع التي كانت من وجهة نظره مع نهاية العقد السبعيني (1979) وما تبع ذلك من حروب ومشكلات اقتصادية وظهور المسرح التجاري الذي أكل الكثير من جرف السينما ناهيك عن جرف المسرح الجاد، قبل أن يخلص الى القول (وهكذا خسر البلد مع الاسف، واحدة من اهم معالمه الثقافية والحضارية)...بعد موجة التصفيق العارمة، إستأذن أحد الحضور وطرح التعقيب التالي (أعتقد ان الاستاذ المحاضر قد أخطأ حين رأى بأن العراق بات من دون سينما، والصحيح هو إن العراق منذ 1979 والى يومنا هذا اصبح بحد ذاته سينما واقعية لأفلام الرعب والقاعدة والفساد والخيال العلمي و..) من غير ان ينتبه الى ان سعد الامير وانا والجمهور هربنا من القاعة مسرعين الى عوائلنا، ولم نعرف ان عاد هو الى عائلته ام لم يعد.