الجيولوجيا.. علمُ الأرض والثروات الطبيعيَّة

ريبورتاج 2023/01/12
...

   علي غني


النقابة ترفض

عبر نقيب الجيولوجيين العراقيين سعد عبيد عن رفضه القاطع، لمحاولة احد أعضاء مجلس النوّاب العراقي وعضو لجنة التربية النيابية الضغط على وزارة التربية، لحذف مادة علم الأرض من خلال مبررات غير مقنعة، وأن المناهج لا يتحكم بها أولياء الامور، كون هذه المادة علمية وأساسية وتعنى بثروات البلد النفطية والتعدينية والمائية، وقد تم تثبيتها من بعد دراسات علمية مستفيضة من قبل المديرية العامة للمناهج، وطبعت ملايين النسخ من هذا المنهج، ما كلف الحكومة ملايين الدولارات، ويرى عبيد انه من غير المنطقي أن يتم حذف مادة علمية رصينة بناءً على طلب عدد من أولياء أمور الطلبة، فربما في المستقبل تأتي مطالبات لحذف مواد أخرى مثل الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء وغيرها من العلوم الصرفة.


دول الجوار

وتابع نقيب الجيولوجيين أن دول العالم أجمع ومن ضمنها الجوار، تولي مادة علم الأرض الأهمية القصوى، بل وتزداد أهميتها عالمياً يوماً بعد آخر، خصوصاً في ظل ما يمرُّ العالم به من ظروف ومتغيرات مناخية، خصوصا بلدنا الذي يعاني من التصحر والعواصف الترابية والجفاف والتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية، وهذا يستوجب نشر الثقافة الجيولوجية، ويجب أن يتحلى بها أبناؤنا الطلبة، وهم يترقبون مستقبلاً، مليئاً بالتحديات المناخية والبيئية والجيولوجية.

واستدرك النقيب قائلا: 

"إن المطلوب والأجدر هو تعزيز وتطوير مادة علم الارض، ضمن مناهج الدراسة الإعدادية كافة (بدلاً من حذفها)، وذلك بتعديل المنهج الحالي، وإزالة المواد الدخيلة عليه مثل الجغرافيا وغيرها ليكون منهجا جيولوجياً بحتاً، وكذلك حصر تدريس هذه المادة بخريجي أقسام علم الأرض، بدلاً من مدرسين ذوي اختصاصات أخرى، كي نتمكن فعلاً من خلق ثقافة جيولوجية مجتمعية من خلال توعية الطالب العراقي بمبادئ علم الجيولوجيا إسوةً ببقية العلوم الأخرى".


ملاكات تدريسيَّة

ويذكر نقيب الجيولوجيين أن وزارة التربية كانت قد عينت المئات من الجيولوجيين، على ملاكها لتدريس هذه المادة العلمية ، وقرار الحذف ستكون له تبعات قد تطول مئات الجيولوجيين المدرسين لهذه المادة واحتمالية التخلي عن خدماتهم من قبل وزارة التربية، وبالتالي حرمان أسرهم من مورد عيشهم الوحيد، كما أن حذف هذه المادة سيغلق أبواب تعيين الجيولوجيين الخريجين الشباب، والذين يتراوح عددهم من 800 إلى 1000 جيولوجي سنوياً. من أجل كل ذلك ندعو الوزارة إلى إعادة النظر، بتقييم مادة علم الأرض بما يتناسب مع دورها ومكانتها التي تستحقها عالمياً.


الدول المتقدمة

ويبيّن التدريسي  في قسم علم الأرض بجامعة بغداد الاستاذ الدكتور صالح محمد عوض أن معظم دول العالم المتقدمة تعتمد مادة علم الأرض، كمنهاج  دراسي أساسي ضمن التدريس الأولي في المدارس المتوسطة والثانوية مع إعطاء اوليات بسيطة، عن هذا العلم حتى في المراحل الابتدائية، وهذا معروف في مدارس اميركا، وأوروبا واليابان والصين وغيرها. وحتى لا نذهب بعيدا فلدينا امثلة من الدول العربية التي تدرس هذه المادة ضمن مناهج الدراسة الثانوية ومنها الأردن وليبيا، ولم يأتِ تدريس علم الأرض في المراحل قبل الجامعية في الدول المتقدمة، إلا من الشعور المتنامي بأهمية هذا التخصص، اذ تعرفه بعض الدول على أنه الركيزة الأساسية في التنمية وتعزيز الاقتصاد وترفع بعض الدول شعار لا نفط ولا غاز بدون الجيولوجيا.


ثروات هائلة 

وتابع عوض قوله: 

"ولذلك ومن هذا المنطلق وضعت الدول في مخططاتها، هذا العلم كثقافة مجتمعية للتعريف به وتقديمه للمجتمع من خلال اعتماده كمنهج ثابت، مما يدل على أهميته وهو لا يقل شأنا عن تخصصات الفيزياء والكيمياء والعلوم الأخرى، بل ربما يفوقها أحيانا، لأنه يعلم خريجيه على طرق استغلال ثروات بلادهم، ومن المعروف أن بلادنا تزخر بثروات معدنية هائلة لا تمتلكها كثير من الدول، فضلا عن الثروات النفطية والغازية. 

ويدعو التدريسي في جامعة بغداد إلى نشر مفاهيم هذا العلم في مجتمعنا من خلال اعتماد مناهج تدرس في المدارس، كما أن أهمية الجيولوجيا تكمن في الكشف عن موارد الطاقة والمعادن الثمينة، فضلا عن  المواد الأولية التي تدخل في بعض الصناعات، ومساهمتها  في الحد من اضرار الكوارث والتعامل الصائب معها. 


تقديرات خاطئة

يشير أستاذ مادة جيولوجيا النفط في جامعة  الكرخ للعلوم البروفسور الدكتور أحمد عسكر نجف، إلى أنه قد  ظهرت بعض التقديرات الخاطئة بالآونة الأخيرة، في التعامل مع أحد فروع العلوم الطبيعية، التي تعد هي أم لتلك العلوم ألا وهي الجيولوجيا، التي ارتبط اسمها بالكوكب، الذي يعيش عليه قرابة 8 مليارات من شعوب الأرض، الساعية لبناء وديمومة مستقبل زاهر لشعوبها وتوفير وسائل العيش وتوفير الأمن  الغذائي، اذ تعمل اليوم دول العالم على تطوير العلوم واستثمار موارد الأرض الطبيعية وبناء مستقبل واعد لأجيالها، التي وضعت نصب أعينها أعمال  البحث والتحري واستثمار مواردها الطبيعية، رغم ندرة مصادرها وانشغالها بالبحث عن طاقات بديلة لتأمين حاجات شعوبها من الطاقة ودعم أمنها الغذائي. 


أجيالٌ واعية

وأوضح البروفسور عسكر أنه في خضم الظروف والتغيرات المناخية، التي يمر بها البلاد نجد أن الجهات المشرعة للقوانين قد تناست وتجاهلت، اهمية هذا العلم وطرق إيصاله للمراحل الدراسية الابتدائية والثانوية، وحرماننا من أجيال واعية وأكاديميات متخصصة بالطاقة الهايدروكاربونية أو المتجددة، والسعي عوضا عن ذلك لإلغائها من المناهج الدراسية، بدلا من أن يهتموا بتطويرها ونشرها.

ولذلك تسعى اليوم نقابة الجيولوجيين إلى الدفاع عن هذه المادة الدراسية، وطواقمها التدريسية وكذلك الاطمئنان على نشر وترسيخ أساسيات هذا العلم، النادر والمتماشي مع ما يملكه البلد من امكانيات طبيعية بحاجة إلى ديمومة لاستثمارها وتطويرها نحو الأفضل، لا إلى العمل على تهديم ما تمَّ بناؤه من قبل أساتذة كبار وعلى مدى عقود من الزمان في البحث والتنقيب في كل تضاريس العراق المعقدة من جبالها إلى سهولها، ولهذا على وزارة التربية إعادة النظر بقرارها هذا، وأن تعيد حساباتها بدقة وتعمل على نشر مفاهيم هذا العلم أسوة بباقي العلوم الصرفة والتطبيقية.


المرحلة الثانويَّة

بينما دعا الخبير الجيولوجي وعضو المكتب الاستشاري لنقابة الجيولوجيين  العراقيين المختصين  في وضع المناهج التعليمية  الدكتور رافع زاير جاسم، إلى إدراج  مادة  علم الأرض  في المناهج الدراسية للصفوف الثانوية جميعا، لما له من أهمية  في تنوير عقول الطلبة، بدلا من المطالبة بحذفه من المنهج  المقرر.

ويوضح جاسم أنه من خلال تجاربه وزياراته لدول أوروبية قد وجد أن أغلب سكّانها لديهم  معرفة  فهم للظواهر الجيولوجية، وهذا لم يأت من فراغ وإنما من دراستهم لمادة علم الأرض في المناهج الدراسية في المرحلتين المتوسطة والإعدادية كمادة أساسية  تدرس، اما في العراق فهناك مطالبات لحذفها من المناهج الدراسية، وبالتاكيد هذا أمر غير صائب بتاتا، لذلك لا بدَّ من الاقتداء بالدول المتحضرة وايلاء مادة علم الجيولوجيا أهمية أكبر.