أثيوبيا.. الدولة الأفريقيَّة الأكثر جذباً للتكنولوجيا

علوم وتكنلوجيا 2019/04/07
...


أديس أبابا/ بي بي سي
 
على هامش القمة الثانية والثلاثين للاتحاد الأفريقي، وقفت الشابة الأثيوبية سلام وندِم في غرفةٍ مكتظةٍ بالحضور من ساسةٍ بارزين ومديرين تنفيذيين مرموقين لتقول: "أنا شابةٌ طموحةٌ وعلى استعداد لتغيير وجه بلادي أثيوبيا".
 

فقد كانت وندِم، البالغة من العمر 29 عاماً، مدعوةً للحديث أمام هذا التجمع في أحد أرقى فنادق العاصمة أديس أبابا، كواحدة من أصحاب المشاريع في مجال التكنولوجيا. وكانت تأمل في اغتنام هذه الفرصة لإقناع حكومات القارة بدعم النظم التكنولوجية الصديقة للبيئة.
 
جمهور متجاوب
ولحسن حظ وندِم فقد وجدت جمهوراً متجاوباً في أثيوبيا. ففي العام الماضي، شهد هذا البلد انتخاب آبي أحمد، 42 عاماً، رئيساً للوزراء. وشملت سياساته إدخال تغييرات على قطاعات التعليم والمالية والاتصالات والأنشطة التجارية، وهو ما شكّل مؤشراً على أن التكنولوجيا أصبحت الآن أولويةً بالنسبة لحكومته.
وفي ضوء ذلك، تؤمن وندِم وغيرها بأن أديس أبابا ربما تكون في طريقها لأن تصبح قريباً واحدةً من مراكز الابتكار الرائدة في أفريقيا، ما يجعلها قد تنافس تلك القائمة بالفعل في هذا المضمار، مثل نيروبي ولاغوس وكيب تاون.
ومن المعروف أنَّ نصف مراكز التكنولوجيا في القارة الأفريقية توجد حالياً في أربعٍة بلدان فقط، وهي كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا. وتوفر هذه الدول 75 في المئة تقريباً من تمويل الشركات الناشئة.
وتريد الشابة الأثيوبية أن تصبح بلادها وشركتها العاملة في مجال تصنيع المنظومات المستخدمة في مجال "الزراعة في الماء" جزءاً من هذه الموجة من النمو.
 
"الحاجة أُمْ الابتكار التكنولوجي"
ولا يختلف هذا المركز عن نظرائه من المراكز المماثلة في مختلف أنحاء العالم. لكن خلف سماته الشكلية، تكمن رؤيةٌ غير معتادةٍ بشأن طبيعة المشكلات التي يتعين على التكنولوجيا إيجاد حلولٍ لها.
وفي هذا السياق، يقول بيتلهم داسي، وهو معلمٌ في مجال التكنولوجيا بمؤسسة "آي كوغ لابس" إن "التكنولوجيا تُستخدم في الدول المتقدمة لتوفير الراحة والرفاهية، لكنها في أثيوبيا توفر الضروريات نفسها".
والآن يولي الشبان الأثيوبيون اهتمامهم بالتكنولوجيا في محاولة للتغلب على التحديات التي تواجههم. وتقول إيليني غابر-مادين، مُؤسسة "بلو موون"، إن "الأفكار العظيمة تشكل بالأساس حلولاً للمشكلات. وإذا كان هناك ما يوجد لدينا، فهو الكثير من المشاكل".
وترى غابر-مادين أن شركةً مثل "إم - بيسا"، التي تقدم خدماتٍ مصرفيةً عبر الهاتف وتتخذ من كينيا مقراً لها، تمثل نموذجاً يكشف عن كيف يمكن أن تؤدي التكنولوجيا إلى حدوث تحولاتٍ كبيرةٍ وفريدةٍ من نوعها في اقتصاديات الدول النامية. لكنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فالمناخ في مجالاتٍ مثل الزراعة والتعليم والرعاية الصحية، يبدو مهيأً الآن لحدوث مثل هذه "الوثبات" التكنولوجية.
ومن بين النماذج الأثيوبية في هذا الصدد، شركةٌ ناشئةٌ تحمل اسم "فلويس"، تتبنى نهجاً راديكالياً على صعيد تصنيع مواسير للمياه بأسعارٍ معقولةٍ وباستخدام تقنياتٍ متطورة.
يقول ماركوس ليما، وهو أحد مؤسسي الشركة: "هناك الكثيرون ممن يسيرون لمسافاتٍ طويلةٍ للعثور على المياه. نريد ابتكاراً من النوع الذي يكون ذا مغزى في السياق المجتمعي من أجل إيجاد حلولٍ محليةٍ للمشكلات" الموجودة في المجتمع المحلي."
 
فوائد الإنترنت
وقد شارك ليما كذلك في تأسيس "آيس أديس"، وهو مركزٌ آخر للابتكارات التكنولوجية لا يبعد مقره كثيراً عن مقر "بلو موون"، وقد أُنشئ عام 2011 وكان الأول من نوعه في المدينة حينذاك. وقد شَهِدَ هذا الرجل خلال السنوات القليلة الماضية كيف يتزايد اهتمام الشبان الأثيوبيين بازدهار التكنولوجيا في بلادهم، واصفاً ذلك بأنه أمرٌ ذو "طابعٍ جنوني".
وبالفعل، فخلال أقل من عقدٍ من الزمان، ظهرت قرابة 100 شركة ناشئة في هذه البيئة لتشجيع الابتكارات والتقنيات الحديثة في أديس أبابا. ويرى هذا الرجل أنَّ التزايد الكبير في قدرة الأثيوبيين على الاتصال بشبكة الإنترنت، يشكل أحد العوامل الرئيسة التي أدت لحدوث هذا التغير.
وقد شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء طفرةً مماثلة على صعيد زيادة عدد مستخدمي الإنترنت، بفضل توسع نطاق شبكات الهواتف المحمولة. ويقول ليما: "عندما يتصل عددٌ أكبر من الأشخاص بالإنترنت فإنهم يعلمون الإمكانات المتاحة لهم وكيف يبدو العالم من حولهم، وهو ما يخلق كثيراً من الحماس والدوافع لديهم".
وتمثل وندِم وشركتها الناشئة نموذجاً مثالياً في هذا الشأن. فهذه الشابة تقول إنها تعرفت على تقنية "الزراعة في الماء" هذه من خلال مقاطع مصورة شاهدتها على موقع "يوتيوب"، وشعرت بالدهشة عندما عَلِمَتْ أنه بالإمكان زراعة محاصيل دون وجود تربة. وقد طوّرت وندِم هذه التقنية وابتكرت نموذج أعمالٍ جديداً، صُمِمَ على نحوٍ يتلاءم مع ظروف المجتمع الأثيوبي.
 
الحاجة لمستثمرين
ورغم أن أديس أبابا تعج بأفكارٍ مثل هذه؛ فإن تحويلها إلى خدماتٍ يمكن تسويقها هو أمرٌ شاق. فبيئة الاستثمار في أثيوبيا ظلت لعقودٍ تتسم بطابعٍ بيروقراطيٍ ومحافظ. ويقول ليما: "تسويق أي عمل تجاري أمرٌ عسير، لكن الصعوبة تزيد بشكلٍ كبير إذا كنت تسعى لتسويق ابتكاراتٍ تقنية".
فالإجراءات الخاصة ببدء نشاطٍ أو إغلاق آخر، طويلةٌ ومكلفةٌ، وهو أمرٌ يناقض ما ينبغي أنْ يسود لتشجيع ظهور شركاتٍ ناشئة.
لكن أبيي ألمح إلى أن ثمة إصلاحاتٍ في الأفق. ففي كانون الأول، أطلق مبادرةً تستهدف تقليص العراقيل التنظيمية والإدارية التي تقف في وجه أصحاب المشاريع التجارية، وترمي لتعزيز الاستثمار.
 
رعاية الأفكار
وفي تموز الماضي، التقى رئيس الوزراء الأثيوبي بالروبوت "صوفيا" الشبيه بالبشر، والذي طُوِّر أجزاءٌ منه في "آي كوغ لابس". ويقول أسيفا: "قمنا ببرمجة الروبوت صوفيا لجعله يتحدث قليلاً من اللغة الأمهرية مع رئيس الوزراء". وبقدر ما كان ظهور آبي أحمد مع هذا الروبوت لفتةً دعائيةً بارعةً، فقد مثّل كذلك مؤشراً على التزامه بتطوير قطاع التكنولوجيا. ويقول أسيفا: "يرى الناس الآن أثيوبيا بعينٍ مختلفة، لا تقتصر فقط على مسائل مثل الفقر والسياسة".
وبالرغم من أنَّ مشاعر التفاؤل تغمر الآن الأوساط المهتمة بصناعة التكنولوجيا في أديس أبابا، فإن ليما يحذر من أن الكثير من الإصلاحات المقترحة من جانب آبي أحمد لم تُطبق بعد، ولا تزال أشياء نظريةً لا أكثر، رغم أنه يؤكد دعمه لأفكار هذا الرجل وطموحه.
وهكذا يعكف ليما ومعه غابر-مادين وغيرهما على توفير الرعاية والعناية للمهتمين بالمنظومات التكنولوجية الحديثة الناشئة؛ إذ يقيمون في هذا الصدد ورش عملٍ ويشكلون شبكاتٍ إرشادٍ وتوجيهٍ ويوفرون فرصاً للتمويل أيضا.