ابراهيم العبادي
ما يزال السجال الاعلامي الذي تحركه الاجندات السياسية يتصاعد على خلفية الزيارات المهمة التي قامت بها وفود عالية المستوى من دول الجوار الى بغداد، فكما انقسم الشارع الاعلامي بسبب زيارة الرئيس الايراني وماتخللها من اتفاقيات وتفاهمات، ها هو الشارع نفسه يعيد الانقسام ذاته بعيد زيارة الوفد الوزاري السعودي الكبير الذي زار بغداد، وقبل ذلك كان للقمة الثلاثية التي انعقدت في القاهرة وضمت رئيس الوزراء العراقي والرئيس المصري وملك الاردن وما تلاها من بيان مشترك ،كان لها نصيب من النقد والاختلاف، مثلما اختلف العراقيون على اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الاردن، وقبلها مع الكويت بشأن تطوير العلاقات والربط السككي وقضية ميناء مبارك وخور عبد الله.
من الطبيعي ان تختلف المشارب والاراء في ما يخص السياسة الخارجية في بلد كالعراق ، عاش محنة استبداد ثقيل وانفراد في القرارات والسياسات المصيرية، الديمقراطية وحرية التعبير وما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من فرص للافراد للتعبير عما يفكرون به وما تجول به خواطرهم، بات من المسلمات الكاشفة عن اراء وتوجهات الراي العام، واذا كانت السياسات الخارجية انعكاسا للسياسة الداخلية، وصورة معبرة عن مصالح الافراد والجماعات، فان الانقسام بشأن توجهات السياسة الخارجية العراقية لا يعد امرا مستساغا ولا مفهوما، حينما يقف خلف المواقف شعارات ايديولوجية، وليس المصالح الواقعية والضرورات المرحلية . لقد اتفق العراقيون ضمنيا على اهمية تجاوز منطق الحروب والتوترات مع دول الجوار، وعلى اهمية الانفتاح على الجميع وان كانوا متخاصمين ومتنافسين فيما بينهم، كما اتفقوا - بحسب منطق المصالح - على طي صفحات الماضي لصالح الامساك بالحاضر وعدم الانشغال بالتاريخ وخسران فرص الراهن والمستقبل، كل ذلك مشروط بتحقيق مصالح العراق وحقوقه وضمان سيادته، وبأمل توظيف الفرص والطاقات وتحويل التحديات والمخاطر الى امكانات للبناء والاستقرار والسلام في المنطقة، العراق يحتاج الى بيئة داخلية مستقرة لا يمكن ضمان استقرارها بدون توازنات وتسويات داخلية وخارجية، كل دول الاقليم لها امتدادات ومصالح، وهي مصرة على ان تكون حاضرة في العراق، بعد ان اكتشفت عقم سياسة الانعزال والتاثير السلبي، الحضور المباشر يستدعي علاقات نشطة وتاثيرا ناعما وارتباطات اقتصادية وتفاهمات سياسية، طبعا الجميع يريد العراق كما يتمناه هو لا كما يريده العراق لنفسه، بحكم ادراكه لتوازناته المجتمعية وحساسية ظرفه الامني والاقتصادي وموقعه الوسط بين جيران متنافسين واقطاب شرسين، الانقسام الداخلي العراقي بسبب انتماءات طائفية أو حساسيات وعقد تاريخية، او بسبب تموضعات ايديولوجية ومبادئ صلدة لا تعرف المرونة لا ينسجم ولا يحقق اغراض سياسات المصالح الواقعية، فمحركات السياسة الواقعية هي المصالح، والمصالح لا تتحقق بدون رغبات وحسابات وستراتيجيات متبادلة ومتلاقية في بعض محطاتها، فمثلما لايران مصالح ضخمة في العراق، امنية واقتصادية وسياسية، فان للاخرين مصالح مماثلة، وحشر العراق في محور من المحاور المتنافسة لن يزيد العراق الا اضطرابا وخسارات لفرص لا تعوض، قدر العراق الجيوبولتيكي ان يكون جسرا للتسويات والحوارات السرية والعلنية لتخفيف التوتر والدفع باتجاه التعاون والتفاهم الاقليمي، العراق مؤهل في هذه اللحظة التاريخية لريادة الدور الذي ينتظر منه، والذي يحقق مصالحه ومصالح الاخرين، شرط ان يكون الداخل العراقي واعيا ومتعاليا على مخاوفه وضغائنه التاريخية والمذهبية والقومية وحسابات الفاعلين السياسيين غير العقلانية .