فجرمحمد
تصوير: خضير العتابي
أعدادٌ غفيرة وجموعٌ كبيرةٌ تتجه كل عام صوب مدينة الكاظمية المقدسة، لإحياء ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم(ع)، الملايين يأتون من مختلف المناطق والدول ويحيون هذه الذكرى الأليمة التي يعدها الكثيرون، بمثابة نبراسٍ وضوء للأجيال القادمة كي تتعلم معنى الثبات على العقيدة والمبدأ، والاستمرار بالنضال ضد الظلم والطغاة.
وهناك صنفٌ آخر وهؤلاء يقدمون الخدمة للزوار، فهم يعدّون الأطعمة والمشروبات ولا يتوقفون عن المساعدة فتراهم كخلية نحل تعمل على مدار الساعة، فهذه المناسبة يعدّها الكثيرون فرصة كبيرة لخدمة الناس وإطعام أولئك المحتاجين، ويرى عباس حسن الخادم في أحد المواكب أن هذه الأيام مباركة، ولها أثر كبير في النفس والوجدان. ويشاطره الرأي صديقه جميل حامد، الذي أخذ على عاتقه مهمة توزيع الماء والعصائر بين الجموع المتوجهة للإمام، وترى الابتسامة رغم التعب والجهد تعلو وجهه، فهو يساعد الجميع من دون الشعور بملل او ضيق.
مدرسة كبرى
يجد الكثيرون أن محبة الإمام الكاظم(ع) وتعلق العديد به وإحياءهم لذكرى استشهاده كل عام، ليست نابعةً من شعور وجداني او عاطفي فقط، لأن حياته(ع) لم تكن عادية او نمطية، فهو الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، تربى في بيت كان بمثابة مدرسة علمية كبرى يأتيها مختلف العلماء والفقهاء، إذ نشأ وترعرع على يد إمام المدرسة الفقهية والكلامية أبيه جعفر الصادق، ولهذا بقيَّ الإمام موسى بن جعفر الملقب بـ (الكاظم) مخلصاً لوالده وعقيدته ولرسوله الأعظم محمد(ص)، ولكل ما تعلمه من والده وبحسب الروايات التاريخية، فإن الكاظم كان الأقرب إلى قلب الصادق، لأنه تتلمذ على يديه وتعلم منه الكثير، وهذا ما جعل الكثيرين من محبي آل البيت وأتباعهم يحاولون في ذكرى استشهاده أن يقدموا كل ما لديهم احتراماً وإجلالاً لهذا الإمام التقي.
تروي المصادر التاريخية أن الفترة التي عاشها الكاظم (ع) كانت حساسة جداً ومهمة، إذ ظهرت فيها تيارات فلسفية متنوعة واتجاهات فكرية مختلفة، ولذلك تولى موسى بن جعفر(الكاظم) مسؤولية الحفاظ على الإرث العلمي والتاريخي، الذي انتقل إليه من والده الصادق(ع)، وما زاد الأمر صعوبة هو العلاقة السياسية المتوترة التي كانت سائدة آنذاك بين الخلافة العباسية والعلويين. ويجمع المؤلفون والرواة على أن الإمام الكاظم كان يتميز برجاحة العقل وضبط النفس، وهذا ما كان يحث عليه أتباعه ومريديه.
ظروف الاعتقال
في الوقت الذي كان فيه الإمام الكاظم(ع) يصلي في المسجد النبوي، ألقي القبض عليه، وتمَّ اعتقاله ونقل بسرية تامة بعيداً عن الأعين، لأنه كان يشكل تهديداً للعباسيين آنذاك وفقاً للروايات التاريخية والمصادر المختلفة، اذ لم يكونوا راغبين بحصول أي بلبلة سياسية أو توترات تؤثر عليهم بصورة أو أخرى، ومن الجدير بالذكر أن ما عجّل باعتقال الإمام، هو دور الوشاة الذين كانوا في كل وقت يحاولون تأجيج الصراع بين الإمام والخلافة العباسية آنذاك، أودع الكاظم في سجن البصرة ووفقاً للمصادر فقد كان له أثر كبير في سجانيه، إذ اكتسب محبتهم واحترامهم وتقديرهم، ثم نقل بعد ذلك إلى بغداد في بيت أحد المقربين من الخلافة العباسية، خوفاً من تأثيره الكبير لم يحبس في سجن عادي، بل يقال إنه بقي تحت الإقامة الجبرية ولم يغادر المدينة. وتوالت الأحداث على الكاظم(ع) وضيق الخناق عليه من كل حدب وصوب، لحين استشهاده بالسجن. ومرت الأعوام وبقيَّ أهالي بغداد والمحافظات، يحاولون إحياء ذكرى استشهاده (عليه السلام) وينصبون المواكب ويتجهون لزيارة مرقده في مدينة الكاظمية المقدسة.