جواد علي كسّار
الصورة التي يطلقها عقلنا السياسي الجمعي عن العلاقة مع الجوار ودول الإقليم، سلبية قاتمة في غاية السوء، إذ له عن كلّ واحدة من هذه البلدان ملفاتٍ وملفات؛ وهي بالتأكيد صورة لم تنشأ من فراغ، وهي ليست خاطئة، بل فيها الكثير من الصواب. لكن المشكلة إن علاقات العراق مع جواره والإقليم والعالم، هي ضرورة لابدّ منها، وهذه العلاقات لا تقوم على أساس رغبات العقل السياسي الجمعي مهما كانت صحيحة، بل تنهض على قاعدة العقل السياسي العملي وما يمليه من مصالح، ترسم استراتيجية هذه العلاقات.
هنا استدراك لابدّ منه، مفاده أن عقلنا الجمعي ينسى حقيقة الصورة السلبية للآخرين عنّا، وما كانت تحمله دول الجوار مجتمعة من تصوّرات سلبية عن العراق وتدخلاته بشؤونها، بصرف النظر عن الخطأ والصواب. في ثنايا هذا الاستدراك يمكن أن نستعيد الصراع العنيف الذي دام عشرات السنين، مع عواصم المنطقة جميعاً، تارّة برمي السعودية بأنها طليعة الرجعية العربية، وأن الأردن جسر اختراق تل أبيب للمنطقة، واتهام البعث السوري بالقطرية واليمينية، وتركيا بأنها قاعدة للأطلسي والإمبريالية الأمريكية، وإيران بأنها شرطي أمريكا في الخليج وهكذا. ما أريد أن أقوله في هذا الاستدراك؛ أن ننتبه بأن للآخرين عقلهم الجمعيّ أيضاً، تماماً كما نحن، وأن هناك من لا يزال يخشى العراق ويخافه، على أساس مثل هذه الخلفيات، التي يمكن أن تستيقظ في أيّ لحظة!
بالعودة إلى محنة علاقاتنا مع الجوار والإقليم، لاحظتُ أن أغلب ما تستند إليه دعوات الرفض والشجب؛ أن العراق ضعيف في الصناعة والزراعة والاقتصاد، مُشتّت في القرار السياسي، هشّ عسكرياً، ومن ثمّ هو لا يملك العناصر المطلوبة في تأسيس علاقات ندية. وهذه حجج لا نناقش فيها، لكن ممكن تحويلها إلى عناصر قوّة، باعتماد استراتيجية «إدارة الضعف».
أولى خطوات استراتيجية إدارة الضعف، أن لا نستسلم لضعفنا، والخطوة الثانية هي الإدارة الناجحة للضعف. دول الجوار والإقليم وبقية عواصم العالم تسعى نحو العراق، طمعاً بسوقه المفتوح على خمسين مليار سنوياً على الأقلّ من السلع والبضائع والخدمات، كما على نفطه وغازه وبقية خيراته وثرواته. وهذا الدعم وحده لو أدركنا مغزاه، يكفي لتطويع الجميع لشروط العراق وتحقيق مصالحه، فلو أخذنا قضية الكهرباء مثلاً، أفلا يكون وضعنا أفضل، ونحن نختار بين عدد من المتنافسين، بدلاً من الخضوع لطرف واحد؟
لا ريب أن وضعنا سيكون ضعيفاً في شراء الكهرباء حين نكون أمام الطرف الإيراني كخيار وحيد، لكن إذا دخلت الكويت والسعودية وتركيا، على خطّ المنافسة، فسيمنحنا ذلك خيارات متعدّدة، لكي ننتخب الأفضل والأرخص؛ هكذا الحال في بقية البضائع والسلع والخدمات.
نحتاج في إدارة الضعف وتحويل ضعفنا إلى قوّة؛ نحتاج إلى دبلوماسية تعمل بطاقتها القصوى، تحمل معها ملفات مصالح العراق مع جميع دول الجوار، فتضع على الطاولة مع الكويت ملف التعويضات، ومع السعودية ملف الإرهاب والحدود والمخدرات، ومع الأردن ملف أموال العراق والجيوب المستوطنة المعادية لنظامنا السياسي، ومع تركيا ملف المياه، ومع إيران ما تبقى من بنود القرار (598) واتفاقية الجزائر والمياه والمخدرات وغيرها.
على سبيل المثال شعرتُ بقدر كبير من الخيبة من وفد العراق الكبير إلى مصر بقيادة رئيس وزرائنا، حين لم أجد من يهمس بإذن المصريين مذكراً إياهم بالمعاملة الرديئة التي يتلقاها الزائر العراقي إلى مصر، حيث يُحجز جوازه، والأمثلة مع بلدان أخرى ليست قليلة!