نوعٌ غريبٌ من {دي أن أي} عُثِرَ عليه في الصحراء

علوم وتكنلوجيا 2023/02/25
...

 جويل آخنباخ

 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 


صحراء "أتاكاما" في شيلي قد تكون أشد بقاع الأرض جفافاً، وبعض المواقع فيها تبدو كثيرة الشبه بكوكب المريخ، بيد أنَّ الحياة ليست معدومة فيها بالمرّة حتى في أشد مناطقها جفافاً، إذ تمكن الباحثون الذين يتوغلون في فحص أعماق صخورها باستخدام أشد المعدات تطوراً من العثور على نتفٍ وشظايا من حامض نووي "دي أن أي" مصدرها مزيجٌ من الجراثيم مثيرٌ للاهتمام.

المذهل في الأمر هو أن 9 % من تلك الشظايا الجينيَّة تعود لكائنات حيَّة غير معروفة للعلم، وفقاً لتقرير نُشِرَ مؤخراً، وهذا يجعلها جزءاً مما يُطلقُ عليه وصف "المايكروبيوم المظلم". هذه الكائنات تنتمي الى أنواعٍ من البكتريا مختلفة عن سواها الى حدِّ أنَّ الباحثين لم يتمكنوا حتى من تشخيص أقارب معروفة لها.

يقول "ارماندو آزوا باستوس"، وهو عالم مايكروبات من مركز البايولجيا الفضائيَّة بمدريد: "في نصف الحالات التي صادفناها لم تتمكن قواعد البيانات من تحديد هويَّة هذه الكائنات بشكلٍ قاطع".

بدءاً من هذه النقطة تبدأ المقارنة والتشبيه بكوكب المريخ، حيث يعتقد باستوس وزملاؤه أنَّ بالإمكان عدِّ صحراء "أتاكاما" بيئة اختبار ممتازة في البحث عن الحياة في المريخ. فالبحوث المماثلة التي أجريت بنسخٍ من الأجهزة المطابقة لما تستخدمه المركبات الجوالة المريخيَّة الحاليَّة لم تفلح في التقاط أيَّة بصمة حياة تقريباً. يخلص باستوس وزملاؤه من ذلك الى أنَّ العثور على دليلٍ قاطعٍ على وجود حياة حاليَّة أو سالفة في تربة المريخ سيكون صعباً ما لم يؤت بعينات منها الى الأرض لفحصها بالوسائل الأحدث.

هذا البحث سوف يقدم كما يبدو دعماً قوياً لستراتيجيَّة استكشاف المريخ طويلة الأمد التي تتبناها وكالة ناسا وشريكتها وكالة الفضاء الأوروبيَّة. فهاتان الوكالتان تخوضان حالياً غمار مهمة متعددة المراحل يُطلق عليها "العودة بالعينات المريخيَّة"، وإذا ما سار كل شيء وفق المخطط المرسوم فإنَّ عينات التربة المريخيَّة التي تحصل عليها مركبة ناسا الجوالة "بيرسفيرنس"، التي احتفلت لتوها بالذكرى السنويَّة الثانية لها على كوكب المريخ، سوف تنقل الى الأرض في وقتٍ ما من بداية العقد المقبل لدراستها دراسة دقيقة مفصلة في مختبرات الاحتواء العالي.

لم يسبق للعلماء أبداً أنْ عثروا على نماذج للحياة خارج كوكب الأرض، بيد أَّن الافتراض السائد بوجهٍ عامٍ هو أنَّ الكواكب التي تصلح للعيش سوف تنبثق فيها الحياة بشكلٍ من الأشكال بمجرد توفر الظروف المناسبة، وقد كان الكوكب الأحمر مثار إغراءٍ منذ قديم الزمن لعلماء "البايولوجيا خارج نطاق الأرض" لأنه كان أكثر شبهاً بالأرض قبل 3 مليارات عام عندما كان يمتلك غلافاً جوياً أكثر كثافة وماءً سائلاً يجري على سطحه. لذا من المتصور أنْ تكون هناك حياة خفيَّة لا تزال على المريخ، ولو أنَّ العلماء سوف يصابون بالصدمة جذلاً إذا ما عثروا ولو على أبسط متحجرٍ مجهري لكائنٍ كان يعيش هناك قبل مليارات السنين.

في العام 1976 أجرت مهمة "فايكنغ" التابعة لناسا تجارب صممت لتحري وجود الحياة. لكنْ من بعدها أخذت ناسا باتباع ستراتيجيَّة تراكميَّة تركز على العثور على المواقع التي تظهر فيها أدلَّة على احتمال كونها قد احتضنت كائنات حيَّة قبل مليارات السنين عندما كان المريخ أدفأ مناخاً وأكثر رطوبة. وقد نجحت "بيرسفيرنس" وكذلك سلفها "كيوريوستي"، التي لا تزال تعمل هناك، في العثور على آثارٍ من جزيئات عضويَّة من النوع الذي كان أساس الحياة كما عرفناها، ولو أنَّ هذا لوحده ليس إثباتاً كافياً على أنها جاءت من مصدرٍ بايولوجي.

سوف تواصل المركبة الجوالة "بيرسفيرنس" استكشاف فوهة "جيزيرو"، تنبش وتخزن عينات من تربة المريخ. في وقتٍ لاحقٍ ستنضم إليها هناك مركبة فضائيَّة ثانية تقوم بدور منصة الإطلاق، عندئذ تقوم "بيرسفيرنس" بتسليمها العينات التي جمعتها لتحملها هذه الى المدار حيث تكون على موعدٍ مع مركبة ثالثة هي المركبة المداريَّة الأوروبيَّة التي تتولى نقل الحمولة الثمينة والعودة بها الى الأرض لتحليلها بأحدث الأجهزة المختبريَّة تطوراً.

يشير البحث الجديد الى أنَّ هذا قد يكون الأسلوب الأكثر فعاليَّة، وربما الوحيد الحاسم، لمعرفة ما إذا كان هناك شيءٌ قد عاش يوماً على سطح المريخ.

عن صحيفة "واشنطن تايمز"