أيديولوجيا العلامة السياسيَّة

آراء 2023/02/26
...

  كاظم لفتة جبر 


يهتم مفهوم الأيديولوجيا بعلم الأفكار لدى الجماعة، بوصفه الفكرة التي تعبر عن مكنونات توجهاتهم الثقافية والسياسية والدينية، فكل أمة أو جماعة تتمسك بفكرة أيديولوجية، تبرز من خلالها العلامات التي تدل على اتباعهم لهذه أو تلك الفكرة، والعلامات كثيرة ومتعددة بين الجماعات والثقافات، وهذا ما اهتم به فيلسوف اللغة دي سوسير في السيميولوجيا علم العلامات في دراسة العلامات والإشارات والرموز اللغوية وغير اللغوية، سواء كانت طبيعية أو صناعية، إذ أخذ هذا العلم على عاتقه الحفر في اركيولوجيا التاريخ الثقافي للجماعات والأفراد، لغرض فهم اللغة التواصلية بين الأفراد، والعلامات التي يستخدمها الإنسان منذ القدم هي لغوية وايقونية وحركية، وهي جزء من ثقافة كل مجتمع، حيث تجد أن هذه العلامة عند استخدمها تكسب روحا ومعنى ذات دلالة تعبيرية، فالعلامات كالطقوس التي من خلالها تتمظهر ذات الفرد وسط الجماعة.

وينقسم استخدام العلامات إلى تعبيرية أو توجيهية، فالقائد هو الذي يوجه، والاتباع هم الذين يعبرون عن ولائهم للفكرة أو للحاكم أو السياسي من خلال العلامات والإشارات والرموز سواء كانت لغوية أو غير لغوية.

فاللغة السياسية هي لغة رمزية تستغل العلامات في توطيد سلطتها وتوصيل رسائلها إلى الأفراد، ففي حاضرنا السياسي في العراق وفي ضل تعدد الجماعات نعيش في زمن اكتظاظ العلامات، واختلافها في ما بينهم، فكل جماعة لها موروث ثقافي واجتماعي وسياسي من العلامات، وتظهر هذه العلامات من خلال اللسان أو الإشارة، فبعض الجماعات تتميز بلباس معين، أو كلمات خاصة، أو حركات وإشارات خاصة بها، يتم استثمارها من خلال لغة وإشارات وحركات مراجعهم السياسية أو الدينية، وتكون أصلية أو مصطنعة، فما كان اصليا فهو مشتق من الثقافة والعادات والتقاليد الاجتماعية، وهذه أيديولوجية تعبر عن القومية الوطنية للشعوب، أما ما كان مصطنعاً، فهو يعبر عن جماعة أو مجتمع سياسي أو فكري يخص مجموعة من الأفراد، ويتم ابتكار تلك العلامات لمصالح سياسية الغرض منها توصيل فكرة وكسب ود الجماهير، فيتجسد فيهم قوله تعالى (سيماهم في وجوهم من أثر السجود) (الفتح 29) والأثر هو الذي يبين سمة اتباع الفرد لهذه الفكرة أو الجماعة عن غيرها، إذ أصبحنا نعرف الأفراد من سماهم، كملبسهم، أو حركاتهم، أو الأيقونة الرمزية التي يقتدون بها، أو الطقوس التي يشاركون فيها.

كما أسيء استخدام هذه العلامات من قبل الجماعات السياسية، اذا انتقلت من مرحلة التعبير والتواصل إلى مرحلة الإقصاء والتهميش، إذ مثلت إرهابا فكرياً يتطور استخدامها بعض الأحيان إلى النفي المادي للآخر المختلف معهم.