الطاقة المعتمة وعلاقتها بالثقوب السوداء

علوم وتكنلوجيا 2023/02/26
...

  إيان سامبل

  ترجمة: بهاء سلمان


لا شيء لديه قدرة الامتصاص أكثر من ثقبٍ أسود عملاق، لكنْ بحسب مجموعة من الباحثين، فإنَّ المواد الضخمة الموجودة داخل قلب العديد من المجرات ربما ستقود إلى توسيع الكون.

يأتي هذا الزعم الجذري من فريق دولي أجرى مقارنة لمعدلات الزيادة للثقوب السوداء في مجرّات مختلفة. واستنسج العلماء أنَّ انتشار الكتل الضخمة المرصودة ربما يفسّر كون الثقوب السوداء تحمل معها نوى لـ"الطاقة المعتمة"، وهي قوة غامضة تقف وراء التوسع المتسارع للكون. وبدلاً من الطاقة المعتمة التي تُمحى عبر الزمن الفراغي، كما يخمّن العديد من الفيزيائيين، يلمّح العلماء إلى أنها خلقت وتبقى داخل الثقوب السوداء، التي تتشكل جرّاء القوى المتصادمة للنجوم المنهارة.

يقول "دونكان فرح"، عالم الفلك بجامعة هاواي: "نحن نرى أنَّ الثقوب السوداء هي مصدرٌ للطاقة المعتمة. يتمُّ إنتاج هذه الطاقة المعتمة حينما تنضغط مادة طبيعية أثناء فناء وانهيار نجوم كبيرة". أتى هذا الزعم متزامناً مع دهشة بعض الخبراء المستقلين، إذ أشار أحدهم إلى أنَّه بينما تستحق هذه الفكرة الفحص والتدقيق، فمن المبكر تماماً ربط الثقوب السوداء بالطاقة المعتمة". هناك عددٌ من الحجج المضادة والحقائق التي ينبغي فهمها إذا ما كان لهذا الإدعاء أنْ يستمرَّ لأكثر من عدة أشهر"، كما يقول "فيتور كاردوسو"، أستاذ علم الفيزياء بمعهد نيلز بوهر في مدينة كوبنهاغن.


تخمينات بحاجة إلى دليل

وكأمرٍ تعويضي لحل مشكلة ما، أوجد العلماء ما يعرف بالطاقة المعتمة، وهي قوة غير معروفة تعمل ضد الجاذبيَّة. وفي شكلها الأبسط، تطابق الطاقة المعتمة "الثابت الكوني" الذي أتى به العالم اينشتاين سنة 1917، فقد قدّمه كثابت في نظرية النسبية العامة للحفاظ على الكون من الانهيار، لكنه لاحقاً تخلى عنه، مطلقاً عليه "أفدح أخطائه". وفي أحدث الأعمال، قارن الباحثون كتل الثقوب السوداء في المجرّات الشابة، حيث لا تزال النجوم بحالة تشكّل، مع كتل عملاقة للثقوب السوداء في مجرّات ضخمة، لكنْ تمر بحالة سباتٍ عميق، حيث لا توجد ولادات جديدة للنجوم. في المجرّات الأحدث عمراً، يمكن للثقوب السوداء أنْ تزدادَ من خلال ابتلاعها للنجوم المجاورة ومواد أخرى، لكنْ في المجرّات الأقدم عمراً، لم يتبق إلا شيءٌ قليلٌ لها لامتصاصه.

وجد العلماء أنَّ الثقوب السوداء في مجرّات السبات العميق كانت أضخم بسبعٍ إلى عشرين مرة من المتوقع، وهو اكتشافٌ قالوا عنه إنَّه يشير إلى عملية أخرى يتمُّ من خلالها ازدياد الثقوب السوداء. وفي بحثين مستقلين نشرتهما مجلّات دورية متخصصة بعلم الفلك، يقول الباحثون إنَّ النتائج المتوصل إليها يمكن تفسيرها إذا ما كانت الثقوب السوداء تزداد مع توسع الكون. هذا ربما يكون الأمر مع الثقوب السوداء التي تشير النظريات إلى أنها تحوي الطاقة المعتمة داخل نواها، وفقاً لرؤية المؤلفين.

يقول "كريس بيرسون"، المساهم في تأليف أحد البحثين، ورئيس مجموعة علم الفلك في مؤسسة (اس تي اف سي رال) لأبحاث الفضاء في مقاطعة اوكسفورد البريطانية: "أهمية هذا العمل تكمن في كونه يأخذ النظريات الخاصة بالثقوب السوداء داخل نوى الطاقة المعتمة ويربطها لأول مرة بمراقبات ملموسة للكون... هذه الثقوب السوداء يتوقع لها النمو بكميات هائلة مع توسع الكون".


أسئلة بلا جواب

إذا كان العلماء على صواب، سيكونون قد حلّوا لغز الأصول، إذا لم يكن الطبيعة، ولأحد أكثر القوى غموضاً في الكون؛ لكن هناك حاجة للكثير جداً من العمل قبل أنْ يكتسب هذا الأمر القبول. ومن ضمن الأسئلة العديدة المتبقية هو كيف يمكن للثقوب السوداء سحب كل شيء مجاور لها باتجاهها بالوقت ذاته الذي تعمل فيه على توجيه الكون نحو التوسيع.

يقول كاردوسو عن النتائج: "هنالك على الأرجح الغالب المزيد من التفسيرات الدنيويَّة المعتادة، فالعلاقة التي يحقق هذا العمل للربط بين كتل الثقوب السوداء ومعدل توسع الكون يعدُّ أمراً ساذجاً نوعاً ما.. ولم يتم دعمه وفقاً للمبادئ الأساسيَّة. ما يمكن لهذه الدراسة قوله أيضاً هو أنَّ شيئاً بسيطاً تماماً، مثل ’تتطوّر الثقوب السوداء بشكلٍ مختلفٍ عما كانت عليه قبل مليارات السنين‘. من المبكر جداً الظن بأنَّ الثقوب السوداء لها علاقة بأية وسيلة كانت بالطاقة المعتمة".


صحيفة الغارديان البريطانية