العدالة في التوزيع والأمن المجتمعي

آراء 2023/03/08
...

 سيف ضياء 


لعله بات من المسلم به القول إنَّ العدالة أحد اهم مقومات بناء الأمن المجتمعي في كل مجتمع، وقد أكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 عالعدالة والتساوي بالحقوق من خلال المادتين (1،2)، وكذلك ما أكده الاعلان العالمي للحق في التنمية من خلال تعريفه للتنمية بأنها «مسلسل شامل اقتصادي واجتماعي وسياسي، يستهدف التحسين المتواصل لرفاهية مجموع السكان وجميع الأراد، استنادا إلى مشاركتهم النشيطة والحرة والدالة في التنمية والاقتسام العادل للخيرات الناتجة عنها»، لذا تكون العلاقة بين العدالة والامن المجتمعي علاقة مضطردة بشكل مباشر، فكل ما تحققت العدالة ازداد الامن والاستقرار داخل المجتمع، وكل ما ازداد الاضطهاد والظلم فقد الأمن والاستقرار وازدادت المخاطر، وهذا ما اكدته الديباجة الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان بالقول «لما كان الاقرار بما لجميع اعضاء الأسرة البشرية من كرامة اصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل اساس الحرية والعدالة والسلام في العالم»، لذلك تعتبر مشكلة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الدول وداخل المجتمعات من أكبر الانتقادات الموجهة إلى النموذج التقليدي للتنمية، والذي اعتبر أنه يكرس هيمنة وسيطرة واستحواذ فئات قليلة من المجتمع على خيراته، وقد مثل هذا الاختلال الكبير في توزيع الموارد مصدراً رئيساً للصراعات والنزاعات والحروب داخل المجتمعات، وبالتالي اصبح أمنها على المحك، لذا فان نموذج التنمية المستدامة جاء ليركز على مبدأ العدالة في التوزيع والذي يعمل وفق فكرة محاربة كل أشكال الاقصاء الاجتماعي والاقتصادي، الذي يتنافى مع قيمة العدالة الاجتماعية التي تعتبر أساس الامن داخل المجتمعات، لان غياب هذه العدالة يؤدي إلى نشوء الصراعات والنزاعات داخل المجتمعات وبالتالي فقدانها لأمنها وتعطيل التنمية، وقد أشار (جيمس سبيث) المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتنمية البشرية المستدامة في تقريره (مبادرة من أجل التغيير)، إلى أن التنمية البشرية المستدامة هي «تنمية لا تكتفي بتولي النمو وحسب، بل توزيع عائداته بشكل عادل أيضاً، وهي تجدد البيئة بدل تدميرها، وتمكن الناس بدل تهميشهم، وتوسع خياراتهم وفرصهم وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم، إن التنمية البشرية المستدامة هي تنمية في صالح الفقراء والطبيعة، وتوفير فرص عمل، لصالح المرأة، إنها تشدد على النمو الذي يولد فرص عمل جديدة، ويحافظ على البيئة وهي تنمية تزيد تمكين الناس وتحقيق العدالة فيما بينهم»، ومن هنا يمكن القول إن العدالة في التوزيع بين فئات المجتمع تحقق الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي اللذين يصلان بالمجتمعات إلى الهدف المنشود، وهو الأمن المجتمعي المستدام.