حالة المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سياق سياسي
بختيار أمين
ترجمة: الصباح
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غنيَّة بتاريخها وثقافاتها وحضاراتها. فقد كانت مهد أولى الحضارات الإنسانيَّة في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل وقرطاجة شمال أفريقيا والفينيقيين والآشوريين والميديين والحثيين والساسانيين، كما كانت مهداً لثلاث ديانات توحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) إلى جانب العديد من الديانات الغابرة مثل الزرادشتية والمانوية والإيزيدية وكثير من العقائد والمذاهب والطوائف.
من الناحية التاريخية شاركت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشاركة عظيمة في إغناء الحضارة الإنسانية وتقدمها في مختلف جوانب الحياة، وقد كانت الأعمدة الأربعة التي ارتكزت عليها تلك الحضارات هي العرب والإيرانيون والأتراك والكرد، بالإضافة إلى العديد من الجماعات القديمة مثل الآشوريين والأرمن. وقد لعبت النساء دوراً ساطعاً للغاية وقدمن مشاركات هائلة في شتى نواحي الحياة على مدى تاريخ هذه المنطقة، ومن الممكن الاستشهاد بالعديد من الأمثلة المشرقة في المجالات المختلفة. هذا التداخل يتعلق أكثر ما يتعلق بالصعوبات والتحديات والمعالجات ضمن سياق جيوسياسي يتناول تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بعد مرور عقدين على تبنيه.
تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسكانها البالغ تعدادهم نحو 400 مليون نسمة، ما يقارب 5 % من مجموع سكان العالم، في حين أنها تقف خلف أكثر من 50 % من أحداث العنف في العالم.
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم بشكل مؤسف من قائمة طويلة من نواحي العجز رغم تاريخها الماضي وثرائها الهائل (النفط والغاز والمعادن.. إلخ) وسكانها المفعمين بالحيوية (حيث تشكل طبقة الشباب نسبة 70 % من مجمل تعداد السكان)، وتقع المعاناة الأقسى على النساء والأطفال أكثر مما على الرجال في معظم المجالات.
تعاني المنطقة من قائمة طويلة من أوجه النقص والقصور بأكثر من 100 مليون عاطل ونحو 90 مليون أمي لا يحسنون القراءة والكتابة، 30 % من أبنائها يعيشون تحت مستوى الفقر و24 مليوناً منهم لاجئون ونازحون، وأكثر من
25 % من حاملي شهادات الدكتوراه هنا يعيشون في دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". السلطة والموارد تسيطر عليها أقلية صغيرة، غالباً ما تكون قد ورثتها ونادراً ما تتخلى عنها طوعاً أو بطريقة سلمية. مع هذا فإنَّ كثيراً من الإنجازات ومؤشرات التقدم تسير بموازاة الصورة المأساوية لهذه المنطقة: نحو 70 % من سكان الشرق الأوسط تقل أعمارهم عن 35 عاماً و50 % منهم تقل أعمارهم عن 25 عاماً، ولو أمكن للمنطقة أن تستثمر على نحو سليم في هذه القطاعات الشابة من السكان لأصبح ذلك رصيداً رائعاً وفرصة أمامها لتطوير نفسها.
تعداد سكان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا سوف يرتفع إلى 700 مليون نسمة بحلول العام 2050، وما لم نقدم نحن المنتمين إلى المجتمع الدولي (في عصر الإرهاب هذا.. عصر تفاقم خطر تجنيد المزيد من شبان المنطقة على يد جماعات العنف والتطرف المتشددة وتدفقات اللاجئين والمهاجرين) على الاستثمار في هذه الشريحة من السكان الآخذة بالتنامي سريعاً بدل الاستثمار في بناء السلم والأمن والاستقرار، فإنَّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تنحو لإنتاج مزيد من عدم الاستقرار والتحول إلى عبء مريع ومزيد من التهديد للسلم والأمن في المنطقة والعالم، لاسيما في ظل تحديات الأمن الغذائي وقلة المياه وتوقعات الحاجة إلى النفط مستقبلاً.
التطرف في هذه المنطقة يغذي التطرف في الغرب والعكس بالعكس، فكل منهما طفيلي يقتات على الآخر، وما التقدم الأخير للتشدد العنفي المتطرف والقوى الظلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وللحركات الشعبوية في الغرب إلا انعكاس لهذا الواقع.
يعيش الشرق الأوسط حالة اضطراب وفوضى لا سابق لهما، فآثار الصدمات التي خلفتها الحروب والصراعات والوضع الإنساني والاحوال المأساوية التي يرزح تحتها النازحون واللاجئون تمثل مصدر قلق بالغ. كذلك تمثل ممارسات وتهديدات إرهاب "داعش" والجماعات التي تعمل لصالحها خطراً جسيماً على الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم، وكذلك على التعايش السلمي بين العديد من المجتمعات إلى جانب بعضها البعض.
شكّل الاستعباد الجنسي الصريح وانتهاك الإنسانية الذي وقعت تحت طائلته نساء وفتيات الأقليات بذرائع دينية في العراق وسوريا جرائم وفظائع جماعية، كما كان شاهداً على ضعف الأطر السياسية والقانونية. كانت نتيجة ذلك انعدام السبيل إلى العدالة بالنسبة لمن نجا وانعدام الإجراءات القانونية المطلوبة ومعايير حقوق الإنسان للضحية والجاني على حد سواء. يبرز البحث في آثار التطرف العنفي الجنساني وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2242 تحديات الأساليب المغالية أمنياً وردود فعل الدول الأعضاء ازاء الانتهاكات المعقدة لحقوق الإنسان والمرأة والطفل. ثمة حاجة للاستثمارات التنموية طويلة الأمد لأجل تعزيز الانظمة القانونية والسياسية لمجابهة التحديات الجديدة والقديمة التي تواجهها المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في المنطقة.
القاسم المشترك حالياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يتمثل في الفجوة المستمرة بالاتساع بين الفقراء والاغنياء، فالفقير يشتد فقراً بينما يزداد الغني غنى، إلى جانب سياسات التهميش والاقصاء التي تمارس بحق الشباب والنساء والإدارة الفاشلة للتنوع والتعددية وغياب مبادئ الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق المرأة والانسان وتفكك عرى التماسك الاجتماعي والظلم الاجتماعي والتعصب الديني والدوغمائية القبلية وانعدام المساواة بين الجنسين وحالة الجهل بين الشبان وصغار السن واقصاء الأقليات والتهديدات الوجودية لكياناتهم في منطقة الشرق الأوسط وشرق افريقيا من قبل جماعات العنف الظلامية وتشظي المجتمعات عبر خطوط عرقية وطائفية وسياسية، إذ لم يسبق في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أن وقعت كل هذه الأمور مجتمعة في وقت واحد.
لا ريب أنَّ مجتمع الشرق الأوسط ليس مجتمع مساواة، لاسيما من زاوية المساواة بين الجنسين، وذلك مرتبط بعوامل اجتماعية- اقتصادية، وثقافية ودينية مختلفة. التفسير الخاطئ للنصوص الدينية وسوء استخدام الطبيعة الحقيقية للدين من قبل قوى الظلام والرجعية والتخلف التي تمارس الاضطهاد والإقصاء والعنف ضد النساء (بما في ذلك اللجوء إلى أساليب التجديف والإرهاب) أدت إلى تقهقر مجتمعات الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتخلفها. المسألة الأهم هي أنَّ قسماً من النساء أنفسهن لا يمتلكن وعياً كافياً بشأن حقوقهن ولا الثقة بالنفس لإحداث التغيير لصالحهن وللمنفعة الاجتماعية الأعم. فإن كنا نريد حقاً، بوصفنا مدافعين عن حقوق النساء في الشرق الأوسط وعن إصلاح ثقافة المساواة وأوضاع الحقوق بين الجنسين وتحسين أحوال النساء، وجب دفع النساء أنفسهن إلى تغيير طريقة سلوكهن بالتصدي لأوضاع المرأة والمجتمع برمته في سائر شؤون الحياة واخذ دور في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والحياة الثقافية كي لا يبقين في ركنهن بانتظار تغيير الثقافة السائدة، وهي ثقافة ذكورية بشكل شامل في البلدان العربية. بناء على تجاربي الشخصية من خلال العيش في عدد من الدول العربية وزياراتي العديدة لمعظم دول المنطقة يسعني القول انه لا يكفي لتحسين اوضاع النساء أن نصطنع التغيير من خلال التعديلات الدستورية والقوانين والتعليم والمشاركة السياسية وحدها، بل من الضروري أن نعمل جميعاً على متابعة كيفية تطبيق تلك القوانين ورفع مستوى الوعي على أوسع نطاق في المجتمع ومؤسسات الدولة.
رغم القائمة الطويلة من صور الإجحاف والظلم والقصور والعجز، التي وردت الاشارة اليها في العديد من التقارير الدولية والإقليمية والمحلية، حدث نمو اقتصادي ملحوظ في الشرق الأوسط لبضع سنوات بفضل ارتفاع أسعار النفط بالدرجة الأساس. بيد أنَّ تلك الأسعار عادت فانخفضت انخفاضاً شاهقاً فأثرت على اقتصاد المنطقة. عندئذ انحسر النمو السريع في الوظائف، الذي كان القطاع الخاص هو القوة الدافعة الرئيسة من ورائه، لكن المنطقة بقيت مع هذا تواجه تحديين مهمين: الأول هو تحدي خلق وظائف أفضل لقوة عاملة تتنامى من الشباب المتعلم (تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 8 ملايين وظيفة جديدة في كل عام). أما التحدي الثاني فهو تنويع اقتصاداتها والبعد عن القطاعات التقليدية، المتمثلة بالزراعة والموارد الطبيعية والبناء والأشغال العامة، والتحول إلى قطاعات قادرة على توفير وظائف أكثر وأفضل لشريحة الشباب، قطاعات تتمحور اكثر حول التصدير وكثافة الطلب على الايدي العاملة ومدفوعة بالمعرفة، وهذا لن يمكن بلوغه إلا من خلال مستثمرين اكثر قدرة على الابتكار والتنويع.
في هذا المجال يجب أن يلعب القطاع الخاص دوراً أكبر مما كان في الماضي. ينبغي النظر إلى شؤون المساواة بين الجنسين على اعتبارها مسألة مركزية في رسم السياسات وتطبيقها، فالمساواة بين الجنسين ليست من أجل النساء فقط بل إنها تشجع على النمو وتساعد في النهوض برفاه المجتمع بشكل عام. أوضاع المرأة في المنطقة تمثل مفارقة فريدة: حيث أسفرت عقود من الاستثمارات الكبيرة في القطاعات الاجتماعية عن تحسن أحوال المرأة في جانبي الصحة والتعليم، والأهم من ذلك انها خفضت مستويات الأمية وقللت معدلات الخصوبة. رغم ذلك لم يترجم هذا كله إلى نهضة بمستويات توظيف المرأة وتمكينها، فأقل من ثلث النساء يشاركن ضمن قوى العمل وهذه النسبة هي الأدنى بين جميع المناطق. مردّ ذلك هو الحواجز الاجتماعية والاقتصادية العنيدة التي تحد من وصول النساء وحصولهن على الفرص الاقتصادية.
في الاقتصاد العالمي الذي يولي قيمة القدرة الفكرية حق قدرها سيكون من الممكن أن تصبح الميزة النسبية الجديدة للمنطقة هي قوتها النسوية العاملة الكبيرة المتعلمة والماضية بالتعاظم. فالنمو الاقتصادي يعتمد بشكل متزايد على الجودة النوعية للموارد البشرية في أي بلد، والنساء يبقين بدرجة كبيرة مورداً غير مستغل. لذا نحتاج إلى دعم ريادة الاعمال النسائية ومساعدة وتشجيع الشركات التي تمتلكها النساء وازاحة العقبات والحواجز والتحديات من طريق تلك الشركات.
ترينا الأدلة أنَّ المجتمعات التي تميز بين أفرادها على أساس الجنس تميل لأن تشهد نمواً اقتصادياً وخفضاً لنسب الفقر أبطأ سرعة مقارنة بالمجتمعات التي تعامل الذكور والإناث على قدم المساواة. من اجل إشاعة المساواة بين الجنسين نحتاج إلى ستراتيجية تركز على ما يلي: (1) إصلاحات مؤسساتية تشيع التساوي في الحقوق بين النساء والرجال. (2) سياسات لتنمية اقتصادية مستدامة. (3) اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة التفاوتات الراسخة بين الجنسين.
نحن بحاجة للاستثمار في شريحة الفتيات بسن المراهقة، وذلك عن طريق ربط التعليم الذي تتلقاه الفتيات اليوم بنوعية الأعمال التي سيتولينها غداً. سن المراهقة مرحلة زمنية حاسمة للتدخل من اجل كسر حلقة الفقر المتصلة بين الأجيال، وذلك بمساعدة الفتيات على البقاء في المدارس وبناء أرصدة كي تصبح رؤوس أموال، ومقاومة توجهات الزواج والحمل المبكر ومستقبل أدنى دخلاً. علاوة على ذلك أنَّ الاستثمار في الفرص الاقتصادية للفتيات المراهقات يمكن أن يكون له اثر تنموي كبير مع منافع بعيدة المدى على النمو
الاقتصادي.
وزير حقوق الإنسان السابق
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة