قراءةٌ في نقد الدراسات الجندريَّة

منصة 2023/03/14
...

  د. حيدر عبد السادة جودة


لا نريد لمقالنا عن المرأة ونحن في عيدها ويومها، أن يكون تقليدياً كما هو سائد، فنحن قد شبعنا قولا فيها سواء لها أو عليها، فالمرأة اليوم أمام منطقين.. الأول ما زال يذمها وينتقص من قدرها، والآخر يمدحها ويثني عليها. ومن وجهة نظرنا لا فرق بين الموقفين، لأنَّ المصدر الرئيسي لتلك الأفكار هو القلب والعاطفة، فهي بين الحب والكره، لا بين المنطق والزيف، وهذا ما نريد أن نسلط الضوء عليه، تحديدا في الكشف عن مكانة المرأة بين المركز والهامش.


 فنعمل على تشخيص الدور الذي مارسته المرأة في الهامش، والدور الذي ستلعبه في المركز بفضل الدراسات الجندريَّة، أي النظر إلى انتقالها من الهامش المُضطهد إلى سلطة المركز، متجاوزة المنطقة الوسطى، والسؤال الذي نود الإجابة عنه يتمثل بالآتي: هل نجحت المرأة في استيعاب فكرة الانتقال من الهامش إلى المركز؟ وهل مارست المرأة السلطة المتمثلة عن المركز بصورة حياديَّة؟ أم أنَّها مارست مثل الإقصاء الذي كان يُمارس ضدها؟ وهل فهمت المرأة دور التحرّر والحريَّة عن طريق الانتقال من مكانها السائد إلى بيتها الجديد وهو المركز؟.

 وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن ننوه على مسألتين: تتعلق الأولى بالاعتراف بأن المرأة قد تعرضت للإقصاء في ظل علاقتها بالرجل أو المجتمع، على اعتبار أن الأخير بشكلٍ أو بآخر يُسمى رجلاً، كون أن السلطة المجتمعيَّة هي سلطة ذكوريَّة بالأساس، نتيجة لذلك جاء ما يعرف بعلم الجندر، الذي ينطلق من أن هناك تكوينين للذكر والأنثى، التكوين البايولوجي والتكوين الاجتماعي، لينتهي إلى أن واجبات المرأة وواجبات الرجل السائدة، إنما هي من صنيعة المجتمع والثقافة السائدة، فهي ليست ظاهرة كونيَّة مطلقة، بل هي مجموعة من العادات والسلوكيات التي شكلها المجتمع، ومن ثمَّ تسعى الدراسات الجندريَّة إلى تقنين وتقزيم تلك الفوارق التي تأسست بفعل الثقافة والمجتمع لتؤكد أن لا فرق ما بين الذكر والانثى، فهما في حالة من التماثل والمساواة، فليس هنالك واجبات هي حكر على الذكور، وليس هنالك من واجبات إلزاميَّة وحتميَّة على الإناث، إلا اللهم في الجانب البايولوجي، فانتهى الجندر إلى وجود فرق واحد بين الذكر والأنثى، ويتمثل هذا الفرق في التركيبة الجينيَّة للذكور والإناث، فالتركيبة الجينية للذكر، (xy) بينما التركيبة الجينية للأنثى

(xx).

 أما المسألة الثانية، فتتمثل في كيفيَّة التعامل مع الدخيل الغريب، لأنَّ الأخير من وجهة نظرنا، يجب أن يتم التعامل معه بحذر شديد وبصورة مقننة وليست سافرة، لأنَّ هذا الغريب أو الدخيل أو الطارئ قد يتأقلم في بيئة معينة ولا يتأقلم في بيئات أخرى، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القيم والعادات الشرقية، وإن كانت هي من صنع المجتمع الذكوري بالأساس، إلا أنَّ هناك ثوابت قيميَّة، ومن ثمَّ فإنَّ الغريب وإن كان ملائماً لكل الأرضيات والبيئات، إلا أنّه يبقى مقيد الاشتغال من منطقة إلى أخرى، أي أنّه يشتغل في بيئة معينة بشكل واسع وكبير، لكن قد لا يجد لنفسه مكاناً واسعاً ليمارس فيه اشتغالاته، وإن أصرَّ على أن يأخذ زمام المبادرة في الوضع الأخير، فإنّه قد ينتج عنه آثاراً سلبيَّة عنيفة ومدمّرة، وتشهد العملية السياسية العراقية مثالاً جليَّاً وواضحاً على هذا الاشتغال، فما نعيشه حالياً من أزمة، يتمثل في الانتقالة من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.

 ومن الممكن أن نشير إلى مسألة أخرى، قد تكون بمثابة توصية، وتتمثل في أنَّ الدراسات الجندريَّة التي تؤكد أنَّ المسؤول الحقيقي عن خلق التمايزات ما بين الذكر والأنثى هي الثقافة والمجتمع، أي أن الأدوار الإيجابيَّة التي أعطيت للرجل والأدوار السلبية التي أُعطيت للمرأة، إنما هي من صنع المجتمع، ومن ثمَّ أسس المجتمع إلى إعطاء التسويغ للرجل في أن يقصي الآخر المتمثل بالمرأة، وهذا ما لا نرفضه أو نعترض عليه، بل نسلم بوقوعه واثقين، ولكن، تجدر الإشارة إلى أنَّ الدراسات الجندريَّة قد أغفلت جانباً آخر، يتمثل في أنَّ العادات السلبيَّة التي لُحقت أو التصقت بالمرأة، إنما هي من صنع المجتمع أيضاً، ومن ثمَّ فيجب أن لا تُفهم الحريَّة عند المرأة على أنها تركٌ للمكان السائد، وهذا للأسف ما حدث، فتخيلت المرأة أن البيت سجنٌ لها، وتصورت الطبخ والتنظيف على أنه صورة أخرى من صور الخضوع والمهانة والابتذال، في حين أن الذكر لا يمكن له العيش من دون هذه الاحتياجات، ومن ثم فهي صاحبة النبل التي من دونها لفقد الرجل الكثير من كيانه ومكانته، ومن ثمَّ فالمسألة لا تكمن في التحرر من المطبخ، وإنما في إعادة فهم وتصورات المجتمع للمطبخ.

 وعلى كل حال، قد نجح التصور الاجتماعي لوظائف المرأة في إقناعها بأن في ذلك عيباً بل وعبوديةً، فعمدت إلى التحرر منه باسم الحرية، فضلاً عن أنها أسرفت في عملية الانتقال من المظهر القمعي الذي يريدها أن تختفي وراءه، إلى ما يسمى بالانحلال الأخلاقي، حتى أصبح من ينتقد المعنى الأخير، أحد مروّجي التخلّف والرجعيَّة، كونه يعمل بالضد من حركة الحريَّة

 والمدنيَّة.

 وما نودُّ أن ننتهي إليه في هذا المقال الوجيز، أنَّ المساواة والتماثل ما بين الذكر والأنثى حقٌ مشروع، فمن خلاله تتأسس البيئة المثاليَّة والصحيَّة للتعايش عن طريق المحبّة والمودة، ومن ثم يجب التحرر من الفهم السلبي بالنسبة للمرأة، والفهم الإيجابي المفرط بالنسبة للرجل، الذي رسمه المجتمع، على أن ذلك لا يعني التحرر من المجتمع ذاته، فعمليّة تجديد وفهم المهام الموكلة للمرأة هو ما نسميه بالوسط الذهبي، فلا الخضوع إلى مقررات المجتمع الذكوريَّة، ولا هي عملية انسلاخ من المجتمع نفسه، بل التأكيد على دور جديد وحيادي في المجتمع، على أنَّ ذلك ليس من واجبات النساء فقط، بل يجب على الرجل أن يوضح المكانة الحقيقية للمرأة عن طريق التأكيد على ما سمّيناه بفكرة الوسط الذهبي. فضلاً عن ذلك يجب التأكيد على فكرة المشاركة وتقسيم الواجبات العملية بين

الجنسين.

  ونختتم بالقول: إنَّ جلَّ الأقوال التي يوجهها الرجل للمرأة، والمرأة للرجل، لا تخلو من طابع الإقصاء، فلا المجتمع ذكوريَّاً بكليته، ولا المرأة عورة وناقصة عقل... فعلى الرجل أن يحتفظ بما يبقي رجولته، وعلى المرأة أن تفهم أنوثتها... ونودُّ أن نشير إلى أن إصرار المجتمع على ضرورة أن تتحجّب المرأة، كما هو الحال في أن يطلب منها المجتمع أن تتحرر من حجابها وعفتها، ففي كل الرأيين إرهابٌ وتعصّبٌ وتزمتٌ غير مبرر.