الصوم وبُعده الإنساني

استراحة 2023/03/26
...

 فؤاد عبد الرزاق الدجيلي


الصوم هو منهجُ التغيير الشامل في النفس الإنسانيَّة، ومجتمع الصائم، ومصدرٌ يمنح الإرادة والضمير والخلق القويم وأساسٌ مهمٌ من أسس السلام النفسي والأمن الاجتماعي. ومن الجدير بالذكر أنَّ الصوم وسيلة لتربية النفس البشرية، فالصائم يروض نفسه بالامتناع عن المأكل والمشرب مختاراً حتى يستطيع الصبر على الجوع والعطش حين يضطر إلى ذلك اضطراراً.. 

فالصوم تربية روحية تسمو بنفس الإنسان عن الشهوات، ويدفعه إلى الانطلاق في آفاق الخير لتعمل الروح عملها في سعادة المجتمع، على الرغم مما يتلقاه الصائم في صيامه من تعب وعناء.

ومن المعلوم أنَّ الصوم يحرر النفس من المطامع والأهواء والشهوات، ويربط نفسه بالله سبحانه وتعالى خالق كل شيء ومالكه، ويقيد إرادته بإرادة الله سبحانه وتعالى وحده ومع ما فيه من جوع وعطش وحرمان، فهو يحررنا من العبودية، إذ فيه تمردٌ على عبودية الطعام والشراب والحياة الرتيبة.

من هنا كانت نفس الصائم أسمى النفوس، وأجودها بالعطاء، وأقربها إلى قلوب الناس في الحرية الحقيقية أنْ يستطيع الإنسان السيطرة على أهوائه، ونوازع الخير والشر، والصوم شهر عمل وجد واجتهاد لاشهر فتور وكسل فمن الإساءة لفريضة الصوم أنْ تكون مدعاة إلى التراخي عن العمل فهو جلد وصبر يتسلح به المؤمن بقوة الإرادة فينشط إلى العمل وينطلق إلى ميادين الكفاح ليملأها بالجد المثمر والسعي البناء.

وفي الحديث القدسي الشريف وفي باب وجوب صوم رمضان، وبيان فضل الصيام، وما يتعلق به، قال رسول الله ﷺ: )كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم؛ فلا يرفث، ولا يصخب، فإنْ سابه أحد أو قاتله؛ فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه).

ومعنى ذلك أنَّ الصوم عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى، ولا شك أنَّ العبادات كلها لله عز وجل، ولكنَّ المعنى الخاص الذي يتحقق بالصوم لا يوجد فيها، فهي عادات ترى وتشاهد، والصوم لا يراه إلا ربه، ولا يحرسه سوى ضمير، وكلها عبادات تجد من النفس مؤازرة، ومن الطبع معونة ومعاونة، ولهذا اختص الله سبحانه وتعالى بثواب لا يعلمه إلا سواه.

وأخيراً، نستطيع القول إنَّ من صام شهر رمضان المبارك إيماناً واحتساباً لله عز وجل وهو واعٍ لأسرار تشريعية، ومتدبر لحكمته خرج منه مكملاً بمهمات الفضائل، ومزوداً بأقوى عوامل التربية الخلقيَّة، ومحملاً بمكارم الأخلاق.

فسبحان الخالق العظيم منشئ الكون ومدبره ولكل ما فرضه على الإنسان حكمة بالغة الأهمية والعمق، وما أوردناه من حكمة الصيام إلا النزر القليل. ومرة أخرى نقول: سبحان الخالق العظيم.