الفنان جواد الجواد يعزفُ الموسيقى لونياً

ثقافة 2019/04/17
...

 
البصرة/ صفاء ذياب
 
تشعر وأنت تتجوّل في معرض الفنان البصري جواد الجواد (عزف على وتر اللون) بأنه يعيدك إلى عدّة مدارس بدأ أغلب الفنانين بالابتعاد عنها، فهذا المعرض الذي أقيم على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين في مدينة البصرة كان غابة متجانسة من الألوان، نفّذت بتقنية فنية وحس عالٍ من قبل فنان له خبرة واسعة في كيفية التعامل مع اللون.
في الفولدر الذي رافق المعرض، وضع الجواد جملة ليعبر من خلالها عن هدفه الرئيس في إنتاج هذا المعرض، إذ يقول: (رسمت لأجل أن أصل إلى ما هو أقرب من الموسيقى وأعمق من الشعر)، وبهذا يختصر الجواد الطريق أمام المتلقي ليبحر في لوحات حاولت عزف موسيقاها من خلال اللون والتشكيلات العديدة التي قدّمها الفنان عبر هذه الأعمال.
ويقدّم الفنان علي مهدي كنعان هذا المعرض قائلاً إن الفنان جواد الجواد يعتمد في نصوصه التشكيلية على التعبير بكثافة اللون لإظهار تجليّات مُقترئ يهيئ من خلالها نصوصه بغنائية الشعر وامتزاجها بروحانية الموسيقى، كذلك ليعبّر عن معاينته وبحثه الدائم في بيئته اللونية الخصبة لإيجاد بدائل مقنعة في معالجاته المبتكرة للسطح التصويري.
وفي حديث خاص، أشار الفنان إلى أنه حاول في معرضه هذا التركيز على إنشاء افتراضي من خلال التأمل والبحث والتجريب لإيجاد صياغات مبتكرة واقتراحات حديثة للشكل، لرسم موسيقى بأوزان لونية متباينة بإيقاع حسي وبصري من خلال خلق مساحات وفضاءات وأبعاد يمكن النظر إليها موحدة فنية ونتيجة جمالية، فلم أتطرق إلى الرمز أو المباشرة في العمل أو الإيحاء أو السرد الذي يحدّد الفكرة ويتطلب القراءة الأحادية، كما في الانطباعية والواقعية وبعض المدارس الفنية الأخرى، لهذا تركت للون حريّة السيادة على اللوحة، وكانت له الكلمة الأولى والأخيرة في الخطاب الجمالي لينصب اهتمام المتلقي على العمل والنص الافتراضي دون الحاجة أو الاستعانة بدلالات أو تفاصيل أو إشارات في محاولة لبلوغ المعنى المراد من المعرض.
حاول الجواد في معرضه هذا، وهو الثالث في سلسلة معارضه الشخصية، الربط بين اللون والموسيقى بطرائقه الخاصة، غير أن هذين الفنين لا يرتبطان ببعضهما مباشرة، رغم أن الاثنين يشتغلان على تونات- حسب توصيف المتخصصين فيهما- غير أن الجواد يؤكّد أنَّ الفنون جميعاً إحساس يرتبط بقنوات عدّة، فلا يمكن فك ارتباط اللون عن الموسيقى، له ارتباط خفي لا يمكن الشعور به بشكل مباشر.
وإذا كان هذا المعرض جاء متدرجاً بعد سلسلة تجارب ومعارض ليصل إلى هذه النتيجة من التلاعب باللون بهذه الانسيابية، يشير الجواد إلى أنه مثل أغلب الفنانين، بدأ الرسم في الأكاديمية وكان حينها الرسم الأكاديمي هو الهدف الأول، وانتقل بعد ذلك إلى الانطباعية والتعبيرية ومن ثم إلى السريالية، وصولاً إلى مرحلة التجريد التي تحتاج لتأمل شديد والبحث عن اللون والعلاقات اللونية، ومن ثمَّ فإن الفنان حينها سيكون أمام قماشة الكانفاص ليبتكر عوالمه التي تبتعد عن العوالم الواقعية، ليخلق عوالمه الجديدة من خلال العلاقات بين الألوان، وكيفية ابتكار نماذج جديدة تتقاطع وترتبط مع الواقع في الوقت نفسه.
هذه المدارس، على الرغم من تعددها، غير أن الحديثة منها بدأت تعود مرة أخرى إلى إعادة إنتاج المدارس التقليدية برؤى جديدة، وهو ما يؤكده الجواد ويبين أن الفنون تتطوّر أفقياً وليس عمودياً، بمعنى أن المدارس والمناهج الجديدة في الرسم لا تلغي المدارس القديمة، بل تتحاث معها وتستند إليها، لهذا فإن أيّة عودة لمدارسنا التقليدية المعروفة هي ليست عودة بالمعنى الضيّق، بل هي استمرار للمنحى الفني وإعادة إنتاج الرؤى بثياب جديدة. فلا توجد مدرسة تلغي مدرسة أخرى. وإذا وصلت المدارس الفنية الآن إلى ما بعد الحداثة وبعد ما بعد الحداثة حسب الدراسات والنماذج الفنية الجديدة، فإننا نعمل على المدارس جميعاً في وقت 
واحد. ومن ثمَّ فإن الجميع معنيون بهذه المدارس، ومنها التجريد، وإذا كانت الكاميرا- على سبيل المثال- ستوثق أعمالاً انطباعية، فإنها لا تستطيع أن توثّق أحاسيس الفنان وكيفية إنتاجه لرؤاه من خلال عمله الفني، وهذا ما تستطيع اللوحة التجريدية فعله، فكل لوحة تجريدية تعطي تعبير الفنان الذاتي وليست عينه التي تنقل العالم 
كما هو.