مئة عام من النزاع بين أوما ولكش

منصة 2023/04/12
...

  الناصرية: نجلاء الخالدي 

منذ طفولتها كانت شغوفة بالأفلام السينمائية التي ترصد مهنة علماء الاثار الباحثين عن الكنوز الاثريَّة في أعماق الأرض، إذ يشكلون فريقا يحترف رصد المدن القديمة التي عاش فيها أسلافنا قبل مئات الأعوام.

تقول ملاذ علي، الفتاة السومرية الآتية من أعماق المدن العتيدة التي طوي بعض من حضارتها تحت الأرض، لـ "الصباح" إنّها "أرادت أن تكون تلك العالمة التي تحمل حقيبتها على متن ظهرها وتجوب العالم بحثا عن الكنز المفقود الذي تركه لنا الاسلاف بين ثنايا الأرض".

تعود ملاذ بذاكرتها إلى الوراء دقيقة أو أكثر وهي جالسة بين أساتذتها في كلية الآثار التابعة إلى جامعة القادسية، وخلال احتدام النقاش بشأن بحثها "الصراع بين مدينتي اوما ولكش على سهل كو ادينا" استذكرت في تلك الدقائق كيف قطعت كل تلك السنوات من أجل تحقيق حلمها الذي تحول إلى حقيقة ماثلة أمام الجميع حتى اولئك الذين عارضوا دخولها إلى هذه الجامعة يوما ما.

وتضيف: ما بين المرحلة الاعدادية التي كنت أتابع فيها أفلام الاثار وما بين حلمي أن أكون باحثة في هذا مجال، فاصلة زمنيَّة كان يجب أن أتخذ فيها القرار الصعب الذي غيّر وجهة أقداري من فتاة خجول إلى امرأة مغامرة، تحلّق فوق حدود المستحيل.  وتشير إلى أنَّ الفتاة في مجتمعنا لا تشجّع إلا لدخول الاقسام الطبيَّة، وهنا كان عليَّ مهمة أخرى وهي إقناع الأسرة في دراسة الاثار لا سيما وأنا خريجة القسم العلمي، ويبدو أنني نجحت في ذلك وهنا لا بدَّ أن اشير إلى دور والدي الذي شجّعني على دخول المجال الذي كنت أرغب في دراسته.

ولأنّها كانت شغوفة بالآثار فكان من البديهي أن تكون متفوقة بدراستها في الجامعة وعلى ضوء ذلك قبلت في إحدى الدورات التي اقيمت في تركيا ونظمها الاتحاد الاوروبي، وقد جمعت أربع دول هي ايطاليا والمانيا وتركيا والعراق، ثم بعد ذلك انضمت الى برنامج "أيدو" ضمن برنامج تدريبي للاتحاد الاوروبي عبر الإنترنت. كما أنها كانت من الثلاثة الاوائل على الكلية، فضلاً عن ذلك فإنَّ بحث تخرجها من الكلية الذي كان يرصد استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد ومراقبه حركة القوارب في جنوب بلاد الرافدين، حصد المركز الاول على الكلية والثالث على الجامعة والمرتبة الاولى في مسابقة العلم العراقي الذي أطلقته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 بعد التخرج أكملت ملاذ دراستها العليا في الاختصاص نفسه، والمعروف عن ملاذ أنها تجيد استخدام التقنيات الحديثة المتمثلة بالـ GIS رغم صعوبة البرنامج، حصد مشروعها المرتبة الأول ضمن برنامج ناو الذي يموله الاتحاد الاوروبي، ولديها شهادة مشاركة من جامعة يال للمسماريات في أميركيا إلى جانب اجادتها اللغة الانكليزية والبرامج الحديثة في علم الاثار ولديها تعاون مستمر مع الباحثين الاجانب في مجال علم الاثار والتراث، وكذلك مع المتحف البريطاني، وكونها ناشطة ومؤثرة في مجال الاثار والبيئة التي هي المهد الأول للحضارة الانسانية فهي تهتم بالمرأة العراقية في أهوار الجنوب كونها جزءا مهما من تلك الحضارة .  اختارت ملاذ بحثها عن "الصراع بين مدينتي اوما ولكش على سهل كو ادينا" على الرغم من صعوبة البحث والدراسة في هذا المضمار إلا أنها تحدت نفسها وأكملت بحثها الذي حصلت بموجبه على شهادة الماجستير، وتم نشر جزء منه في مجلة سكوبس وهي مجلة عالمية رصينة من مستوعبات كلاريفنت.

تقول ملاذ استغرق البحث والغوص في نزاع الدولتين السومريتين أكثر من سنة ونصف كنت أسافر لأيام من أجل استكمال البحث الذي استنزف طاقتي وتفكيري إلى جانب التكاليف الماديَّة، لذا أنا اليوم فخورة جدا بنفسي وعملي والنتائج التي خلص إليها البحث الذي تناول جانبين الـGIS والاثار.

وكان هدف الرسالة هو تسليط الضوء على أحداث النزاع الذي حصل بين مدينتي أوما ولكش وأهم الاسباب التي أدت الى هذا النزاع وهو الوضع الاقتصادي الذي مرت به المدن آنذاك، إذ إن الاقتصاد يعتمد بالدرجة الاولى على الزراعة، والتي تتلخص حول السيطرة على مصادر المياه والاراضي الزراعية ومن ضمنها سهل (GU2-EDINA) والسيطرة عليها من كلا الدولتين واستمر هذا النزاع نحو مئة عام بحسب الوثيقة التي عُّدَّت أقدم وثيقة مكتوبة في التاريخ.

إذ يعد سهل (GU2-EDINA) واحدا من أهم الموضوعات التي لم يتم تحديدها بشكل قاطع حتى الآن على الرغم من الدراسات السابقة الا انه توجد اشارات بسيطة عنه فأغلب النصوص اشارت إلى أنه يقع في المنطقة التي حددت بين مدينتي أوما ولكش. كما تناولت الرسالة في منهجها قسمين، تضمن القسم الاول الاعمال المكتبيَّة التي ضمت المصادر الدراسية وتقنيات التحسس النائي والاستشعار عن بعد، وبعد الاطلاع على الصور القديمة والدراسات السابقة والصور الفضائيَّة تمَّ رسم حدود للسهل المذكور، تلاها القسم الثاني الذي تضمن العمل الميداني في منطقة الدراسة، تم التطرّق في هذه الدراسة لمحة عن الحقول الزراعية في جنوب بلاد الرافدين وبالتحديد التركيز على سهل (GU2-EDINA) الأرض الحدوديَّة بين مدينتي أوما ولكش في منطقة السهل الرسوبي والتي حدث عليها صراع.

استخدمت في الدراسة تقنيات الاستشعار عن بعد ودعم النصوص المسماريَّة عن تحديد موقع السهل، ومن المواقع التي تضمنتها منطقة الدراسة موقع مدينة Girsū إذ تم الكشف عن ثماني قنوات رئيسية في هذا الموقع وقنوات اخرى متفرعة، إذ يعد أقدم نظام ري في بلاد الرافدين.