بغداد: هدى العزاوي
أرست الحكومة الحاليَّة برئاسة محمد شياع السوداني، جملة من القواعد في التعامل مع الملفات الإقليميَّة والدوليَّة، كان من أبرزها عدم الانحياز لهذه الدولة أو تلك أو الدخول في محاور متصارعة، ولم تكتفِ الدبلوماسية العراقية الحالية بذلك؛ بل عمدت إلى رمي ثقلها وأوراق نشاطها الخارجي في الوساطة بين أطراف متصارعة في المنطقة منذ عقود، ونجحت في عدة ملفات لافتة من بينها الإسهام بإعادة العلاقات بين الجارتين الكبيرتين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى ملفات أخرى تعمل عليها بهدوء ودون صخب، والنجاح بذلك- بحسب مراقبين- على خلفية القبول العربي والإقليمي والدولي للدور العراقي الذي يستعيد مكانته المؤثرة في استقرار المنطقة.
الباحث في الشأن السياسي علي البيدر بيّن في حديث لـ"الصباح" أنَّ "حكومة السوداني بعثت تطمينات للمحيط العربي والإقليمي منذ اليوم الأول لوجودها في السلطة عبر رسائل واضحة وصريحة، بأنها لن تكون جزءاً من أي أزمة أو صراع أو أي دور متشنج في المنطقة".
منوهاً بأنَّ "هذه الرسائل كانت نقطة تحوّل في سياسة الحكومة العراقية، وبشكل مطلق بعد عام 2003، إذ جعلت من العراق واحة للاستقرار والهدوء الدولي والإقليمي المتصل بالشأن العراقي، بعد أن كان العراق يمثل حلبة نزال وتصفية للحسابات بين الأطراف الدولية المتصارعة".
وأكد البيدر أنَّ "الجميع الآن ينظر إلى حكومة السوداني بأنها حكومة الوحدة الوطنية التي تضم الجميع، وتتعامل معهم على حد سواء على المستوى المحلي أو حتى الإقليمي، وذلك على أساس المصالح المشتركة وحسن الجوار، بعيداً عن عقد الحكومات السابقة، فضلاً عن حسن نوايا الدول العربية والإقليمية تجاه هذه الحكومة".
وبيّن أنه "من هنا يمكن للعراق أن يستثمر موقعه الجيوسياسي في زيادة إمكانياته ولعب دور أكبر، خصوصاً أنَّ العراق اليوم انتقل من حالة الفعل وردة الفعل التي كان يعيشها، إلى مرحلة المبادرة ورعاية الكثير من البرامج وتقديم الكثير من الرؤى المتعلقة بالوضع الإقليمي والشأن العربي، لذلك فإنَّ العراق مقبل على واقع جديد لاستعادة مكانته بفضل انعكاس حالة الاستقرار الداخلي على خطط وبرامج الحكومة للتعاون على ملفات خارجية".
فيما أشار الأستاذ الأكاديمي، الدكتور هيثم الهيتي، في حديث لـ"الصباح" إلى أنَّ "التقبل العربي للعراق محور أساسي في هذا المجال، كونه يعكس العلاقات الإقليمية والدولية للعراق، فالعلاقة الدولية للعراق مع دول الجوار- العربية منها على وجه الخصوص- هي الأساس بإعادة التوازن في المنطقة والشرق الأوسط، فهذا الأمر لا ينعكس فقط على الداخل العراقي".
وبيّن أنه "ما بعد 2003 كان هناك توجس عربي من الواقع العراقي الجديد، نتيجة لسلوكيات سياسية داخلية، ونتيجة لانحيازات مختلفة"، مؤكداً أنَّ "العراق يجب أن يكون عنصر التوازن في المنطقة بدلاً من أن يكون منحازاً لطرف ضد آخر".
ورأى أنَّ العراق يجب أن ينتهج نهج سلطنة عمان التي تعدّ طرفاً عربياً ستراتيجياً عميقاً، "ولكنها في الوقت نفسه، تمتلك علاقات وثيقة مع الدول الإقليمية كإيران وتركيا وغيرها، إلا أنها لم تنحز ولا تدفع بسياستها بأن تكون متحزبة أو تابعة، ولا يوجد لدى سلطنة عمان أي تدخل في الدول الإقليمية، ولكنها تمتلك- كما أشرنا- علاقات وثيقة مع جميع الأطراف"، وأوضح أنه "دائماً ما تكون في سلطنة عمان طاولة تفاوض عربية إيرانية، لكنها في ذات الوقت لم تكن ضمن سياق تريده المملكة العربية السعودية أو الكويت أو إيران".
وبحسب الهيتي، فإنَّ "الدرس العماني يجب أن يكون بشكل أكبر لمشروع سياسي عراقي إقليمي، ويدفع بالعراق لأن يمتلك علاقات وثيقة مع جميع الأطراف، بشرط ألا تكون على حساب اقتصاد العراق والرغبات السياسية أو وفق إيديولوجيات غير منضبطة"، وأكد أننا "نحتاج إلى تقبل إقليمي كامل، وتقبل عالمي، ليتجه العراق إلى أن يصبح مرتكز الاقتصاد والسياسة في الشرق الأوسط".
تحرير: محمد الأنصاري