جين هيرشفيلد: أغنية لنهاية الزمن

ثقافة 2023/06/12
...

 ترجمة: محمد تركي النصار

جين هيرشفيلد شاعرة وكاتبة ومترجمة أمريكية أصدرت خمسة عشر كتابا، تسعة منها شعر، نالت جوائز مرموقة عديدة. عملت بالتدريس في جامعات كثيرة وشاركت في برامج لتدريس الكتابة الإبداعية وفي مهرجانات ونشاطات مختلفة داخل وخارج الولايات المتحدة، وشغلت منصب مستشارة أكاديمية الشعراء الأميركيين خلال 2012- 2017. من عناوين مجموعاتها الشعرية: (عن الجاذبية والملائكة- 1988)، (قصر أكتوبر- 1994)؛ (حيوات القلب- 1997)؛ (حصى وتجارب - 2004)؛ و(تعال ايها اللص: قصائد - 2013)، وهي أيضا تمارس البوذيَّة، وفي عام 1979 حصلت على (وضع السيامة)  في سان فرنسيسكو زن سنتر.تهتم هيرشفلد في كتاباتها بشكل عميق بالقضايا المعاصرة: فلديها قصائد عن المشكلات البيئيَّة، ومقالات تتحدث عن الشك والمفارقة والأصالة الضرورية في الفن والترجمة للشاعرات الأوائل والشغف بالعلم الذي أدى إلى ظهور مبادرة (شعراء العلم).   في هذه المقابلة التي أجرتها جين كلارك وباربارا فيلاكوت عبر الايميل، تطرقنا إلى ثيمات كتاباتها انطلاقا من مجموعتها الشعرية الأخيرة (موازنة).
* باربارا: بعد القراءة والاستمتاع بمجموعتك الأخيرة (موازنة) استوقفتنا ثلاثة أمور كانت بارزة في هذه القصائد كما كانت في قصائدك الأولى، وقد اخترنا قصيدة واحدة تجسّد هذه الثيمات، وأولى هذه الثيمات (الدهشة والمتعة) كما تعبرين عنها في قصيدة (ديني):
دَيني
مثل كل الآخرين الذين يؤمنون بالحواس
كنت محاسبة تنسخ الإحصاء
ولم أكن شاهدة تسجيل
مسموحاً لها أن تلمس ورقة الشوك
وبيت العنكبوت المرتعش
  ولتأمل تسجيلات هابل      
لم يكن مهما أن أكون مؤمنة بحزب الجسيم أو الموجة
لأنني لم أكن أحمل سلاحا
لم يكن مهما أن أكون مؤمنة
وقد كنت أزن الرماد،
والأفعال،
والمدن التي كانت تتلامع مثل الياقوت
 وفي الميزان الذي منحته
كنت أقيس وحدات الخوف والدهشة،
كتبت كلمة هي للضمير غير العاقل
كتبت فعل الكينونة
أدخلت الدَين المطلوب للحقيقي
اعذريني
أيتها الورقة المغطى عمودها الفقري
وأنتِ أيتها العنكبوت ناعمة الملمس
وأنتَ أيها الاخطبوط الذي يسحب مجسّا نباتيا واحدا غريبا
باتجاه يد الغواص
اعذروني
لأنني استخدم هذا الحبر الأسود
في تدوين ألوانكم
القابلة للاشتعال.
* باربارا: نتساءل ما الذي ألهمك بشكل خاص لكتابة هذه القصيدة؟ هل هناك بيت معين أو صورة شعرية محددة كانت منطلقا لكتابتها؟
- جين هيرشفيلد: العديد من الصور في هذه القصيدة تمثل بالنسبة لي اكتشافات ملهمة، أوصافاً تنبع من إعادة ترتيب تفاصيل نفسيّة وفهم ما، فاختيار كلمة معينة من قول دارج لقياس وحدات الخوف والدهشة لا بدَّ أن يتم تأمله طويلا قبل اختياره، والتمييز بين من تكون وظيفته التسجيل والآخر الذي يلعب دور الشاهد ينطوي على عنصر أخلاقي: إنّه يتضمن ما أتمنى أن يعكس التواضع الصحيح في علاقتنا بالعالم الأكبر، ومع ذلك فإنَّ ما يربطني بهذه القصيدة هو وحدتها الكلية، إنَّ انبثاقها كان جوابا لحاجة ملحة، وقبل وقت ليس بعيدا كتبت قصيدة أخرى في الكتاب (أغنية لنهاية الزمن) وهي القصيدة الأكثر سوداوية في كتاب تمتاز أجواؤه بالكآبة حيث كوارث التغير البيئي وانقراض الكائنات الحية، وتمثل كتابة القصيدة غوصاً  في الهاوية للتأمل بعالم يختفي فيه الموت والحياة معا.
قصيدتي (الدين) كتبت مباشرة بعد أن أرسلت قصيدة (أغنية لنهاية الزمن) إلى أحد الأصدقاء، وقد أدركت عندها بأنه ليس أمرًا طيباً أن أفكر فقط في النكبات والمشكلات التي لم تحدث وتجاهل العطايا والجوانب المشرقة، إذ لايزال بإمكاننا التمتع بها، فالعالم ينعشنا بمظاهر الجمال كل صباح، وليس من الحكمة أن تعيش خائفا بأن بيتك على وشك أن يحترق فهذا الشعور يدمر احساسك بجمال العالم ويقصر كل شيء على الحبر الأسود وجرد حساب النكبات البيئية والصاعب الحياتية، ومن هذا الفهم والمنطلق انبثقت هذه القصيدة.. تحتاج الأخطاء إلى التصحيح والاعتذار وقصيدتي (ديني) هي بالأساس نوع من الاعتذار، الذي يحدد قياسات علاقتي باللحظة الراهنة من حياتي على هذه الأرض، لست نادمة على القصيدة التي كتبتها أولا، فمحتواها أيضا نحن بحاجة لطرحه أيضا، ألوان العالم قابلة للاشتعال – وأنا أعيش في مكان صارت كوارث الحروب تحصل فيه بوصفها أحداثا تتكرر سنويا، بعد أن كانت تندلع كل خمسة عشر عاما أو ثلاثين عاما، لكن حتى مع احتراقها تبقى الالوان جميلة، وتجاهل هذا الأمر يعكس نوعا من ضيق الافق ويشكل خطرا يهدد مصير الروح، وعلينا ان ننقذ ما أحببناه أولا.
* جين كلارك: عنوان المجموعة (الموازنة) يوحي بتحديد فكرة الدين أو الحساب في علاقتنا بالعالم بشكل عام.
- جين هيرشفيلد: ريما يكون هذا المعنى للدين أو التعويض متجذرا عميقا في نخاع العظم وفي الجينات وتاريخ الكائنات الحية، وليس في المنطق.. أنا أرى أن وجودي الشخصي، مشروط بمجموعة مصادفات ونسب لانهائية لفترة قصيرة.. أن أولد بعينين قادرتين أن تريا، أذنين قادرتين أن تسمعا، ذاكرة لاستعادة الأشياء، لسان يتكلم، بحياة لم تخلق للمعاناة فقط، بل للمتعة أيضا، الشغف، وكل أنواع التوق التي يمكن أن تجد أجوبة لها فضلا عن التجارب التي لم أكن أتخيلها أبدا، كل هذا يمثل هبة بالنسبة لي.
الادخار يحدث تكلّساً في القلب كما يقول وليم بليك:
الذي يربط نفسه بالمتعة
 سوف تحطمها الحياة المجنّحة
لكن من يقبل المتعة وهي تتلاشى
سيعيش في شروق شمس الأبديَّة.
عندما كتبت قصيدتي (ديني) عرفت منذ الوهلة الأولى بأنّ عنوان مجموعتي سيكون (الموازنة)، فالمصدر مرتبط ابتداءً بعملية الجرد والحساب ولتقدير كيف هي الأشياء الآن بالرغم من أنها تعيش ذهنيا على حافة الهاوية بايولوجيا وسياسيا، نحن نجد أنفسنا نقف في هذه اللحظة ونحن نتشارك الوجود البشري، في جزء آخر من القصيدة، ربما يوجد عنوان آخر لها (اعتذاري) لكن هذا العنوان طرح نفسه بوصفه الممكن الوحيد، وقد أعقبت القصيدة سنوات من تأمل العلاقة الممكنة لكوارث المناخ وقضية المحيط الحيوي والعدالة وأزمات الحياة الشخصية بكل ما فيها من عمليات حذف وإضافة.

* عن مجلة بشارة